لتعاود ذات الصحيفة في اليوم التالي كشف الأسباب التي كانت وراء هذا الترحيب الإسرائيلي الحار بوصوله الى ولاية العهد كمرحلة تمهد لاستلامه الحكم في مملكة الرمال، حيث تحدثت الصحيفة عن لقاءات منتظمة بإشرافه وموافقته شخصياً بين ضباط سعوديين وإسرائيليين في الأردن ، مشيرا إلى أن هذه الاجتماعات تتطلب في الأساس موافقة بن سلمان كونه وزير الدفاع السعودي.
إلا أن الامر لم يدم طويلا فسرعان ما تبددت علامات الدهشة والاستغراب عندما بدأ مسلسل العلاقات السعودية الإسرائيلية يتكشف ويظهر للعلن ودون أدنى خجل أو مسؤولية في وقت تشارك مملكة الرمال في قتل شعوب المنطقة وذبح قضاياها تمهيداً لرفع الراية الإسرائيلية وإسقاط الراية العربية التي لطالما ادعى مماليك الرمال دفاعهم عنها وتمسكهم بها.
إعادة إنتاج الأدوار
في واقع الحال فإن ما يجري على الساحة السعودية التي تشهد تخبطاً واضحا على كافة الأصعدة والاشكال والمستويات سواء على الصعيد الداخلي أو على الصعيد الخارجي، هو جزء من الاستراتيجية الأميركية للمنطقة التي تستهدف إعادة إنتاج وصياغة الأدوار والمهمات بما يناسب ويواكب سياساتها ومشاريعها المعدة للمنطقة، ومنها صياغة الدور السعودي الذي يتزعم بمخزونه المادي الكبير محورا كبيرا من دول المنطقة التي تعتاش على دعمه ومساعداته رغم شحها وشروطها المجحفة والمذلة، إعادة إنتاج هذا الدور الذي لم يكن بطبيعة الحال بعيدا عن الاجندة الأميركية بما يتناسب مع الاهداف الاسرائيلية والاميركية المستجدة التي فرضتها الظروف الحالية بتحولاتها الكبرى والتي أدت الى خلق واقع جديد بقواعد ومعادلات مختلفة أغضبت الأميركي وأثارت حفيظته وحرضت دمويته ووحشيته اكثر وأكثر ودفعته الى التصعيد وارتكاب الحماقات التي من شأنها أن تودي بالجميع الى الهاوية؟
فما كان يفعله ويقوم به النظام السعودي في ما مضى ، يختلف كلياً عما هو مطلوب به في هذه المرحلة تحديدا والمرحلة التي تليها في المستقبل القريب، حيث لم يعد بإمكان
الأخير العمل خلف الكواليس، نظراً لان ذلك لا يؤدي الغاية المطلوبة ولا يفي بالغرض فحجم المهام وطبيعتها باب أكبر وأوسع واعمق وبات يتطلب الخروج من خلف الكواليس الى الظهور العلني أي الى الأضواء، لان لذلك أبعاده ودلالاته الكبرى التي قد تكفي من وجهة النظر الأميركية والإسرائيلية لقصم ظهر الشعوب العربية التي بات جُلها أقرب الى بيع حقوقه وقضاياه والتخلي عن كل ماهو عروبي وقومي ومناهض للاستعمار والاحتلال بعد أن تدحرجت كرة الفضائح عن أدوار الكثير من دول وأنظمة المنطقة في وأد القضايا والحقوق العربية وفي مقدمتهم النظام السعودي.
رأس حربة
وماهو مطلوب من النظام السعودي اليوم بات يتجاوز في حدود العقل والضمير الجمعي العربي،الامر الذي لابد أن يحتاج جملة من التغييرات الجوهرية والبنيوية في طبيعة وماهية وسياسة النظام السعودي لجهة تحشيد وتظهير الموالين لإسرائيل وأميركا، وإبعاد كل الرافضين والمعارضين رغم قلتهم لهذا الاتجاه، وبالتالي تعبيد الطريق أمام بن سلمان ليكمل ما بدأه والده وأعمامه واجداده، وما جاء مؤخراً على لسان الكثير من المسؤوليين الاسرائيليين حول مطالباتهم بنقل وصاية القدس الى السعودية هو جزء من عملية المكياج الإسرائيلية والأميركية للنظام السعودي.
رأس حربة للمشاريع الصهيونية والأميركية هو الدور الجديد الذي سيضطلع به النظام السعودي خلال المرحلة المقبلة، بعد نجاحه اللافت والمدهش في اختبار من هذا النوع،فما أظهره الأخير من تآمر ووحشية وإرهاب في عدوانه على اليمن ومشاركته في الحرب على سورية وبيعه للقضايا والحقوق العربية فاق الحدود والتوقعات الى حدود الدهشة والصدمة وباعتراف الكثير من المسؤولين الإسرائيليين والاميركيين.
شريك أساسي في صفقة القرن
ضمن هذا السياق يغدو الحديث عن الدور السعودي في (صفقة القرن) التي من المُقرر أنْ يطرحها الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب في آذار القادم، أمراً عادياً ومتوقعاً، بل
وضروريا أيضاً في ظل الحاجة الأميركية لمن يسوق لها على الساحة العربية، وفيما تحاول مملكة بني سعود إخفاء وجهها الجديد في الرمال تجهد إسرائيل لإماطة اللثام عن
أدوارها المستقبلية وتسارع مع كل حدث الى فضح وكشف تلك الأدوار فقد نشرت صحيفة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية هذا الاسبوع مقالا للمحلل أليكس فيشمان، اكد فيه نقلاً عن مصادر أمنيّةٍ واسعة الاطلاع وجود ثلاثة مستشارين خارجيين للطاقم الأمريكيّ الذي يعكف على إعداد صفقة القرن وهم: محمد بن سلمان وليّ العهد السعوديّ، وسفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة، وسفير إسرائيل في أمريكا رون دريمر.
إن المتابع لتطور العلاقات السعودية الإسرائيلية لابد له أن يلحظ المنهجية الواضحة في العلاقة بين الطرفين أي ان كانت تنتقل من مرحلة الى مرحلة وبعناية فائقة بهدف تهيئة الشارع العربي بشكل عام والمجتمع السعودي بشكل خاص، وكانت تستند بشكل دائم الى ذرائع واهية وكانت في المقابل تبحث عن حجج وذرائع مقنعة لتعزيزها وإقناع الاخرين بها، وكانت ذريعة (محاربة الخطر الإيراني) هي الحاضرة بقوة على لسان النظام السعودي والكيان الصهيوني ، وهذا ما قاله صراحة رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال غادي إيزينكوت في الخامس والعشرين من تشرين اول الماضي بصحيفة إيلاف السعودية من أن هناك مصالح مشتركة (بين إسرائيل والسعودية) وان هناك توافق تام مع السعوديين، وهذا يتطابق تماما مع ما قاله وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس من أن تل أبيب تقيم علاقات مع دول عربية منها السعودية.
ولي العهد في تل أبيب
في الـ7 من أيلول الماضي تواترت الأنباء عن أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قام بزيارة إلى «إسرائيل» سرًا والتقى برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وبحثا عددًا من القضايا المهمة، الأمر الذي أكدته عدد من الصحف الإسرائيلية وبعض الصحفيين الإسرائيليين، حيث كشف موقع «هيئة البث الإسرائيلي باللغة العربية» على لسان مراسله شمعون أران، أن أميرًا سعوديًا زار «إسرائيل» سرًا خلال الأيام الأخيرة، وبحث مع كبار المسؤولين الإسرائيليين فكرة دفع السلام الإقليمي إلى الأمام، مضيفًا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عقد اجتماعًا مع أحد الشخصيات الخليجية الرفيعة دون التعريف بهويته.
كما أكد الصحفي الإسرائيلي آرييل كاهان في تغريدة له على موقع «توتير» في الـ10من أيلول الماضي، أن من زار «إسرائيل» هو محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، وهو ذات الأمر الذي أكدته الصحفية الإسرائيلية نوغا تارنوبولسكي في تغريدة على ذات الموقع.
ماجرى يفوق كل ما حدث في التاريخ
وقد ظهرت بوضوح ملامح التقارب، عندما شارك رئيس الأركان الإسرائيلي غادي أيزنكوت، مع رؤساء أركان جيوش كل من (السعودية والإمارات والأردن ومصر)، في اجتماع لقادة هيئة الأركان المشتركة الأمريكية المستضيفة للمؤتمر الثاني لدول التحالف الدولي لمحاربة تنظيم «داعش» الارهابي، بل إن وزير الحرب الإسرائيلي موشيه يعلون أعلن مشاركة دولته في التحالف، قائلًا: «من المحرج للدول العربية إعلان مشاركتنا في العلن».
ليس هذا فقط، ففي السادس من أيلول الماضي أيضاً أي قبل زيارة ابن سلمان لـ»إسرائيل» بيوم واحد، وصف نتنياهو خلال مشاركته في احتفال رفع الكؤوس احتفالاً بالسنة «العبرية» الجديدة في مبنى وزارة الخارجية العلاقات مع الدول العربية بأنها الأفضل وتسجل رقمًا قياسيًا غير مسبوق في تاريخ هذه العلاقات، قائلًا: «التعاون مع الدول العربية أكبر من أي فترة كانت منذ إقامة «إسرائيل» وما يحدث اليوم مع كتلة الدول العربية لم يحدث مثله في تاريخنا، وعمليًا التعاون قائم بقوة وبمختلف الأشكال والطرق والأساليب رغم أنه لم يصل حتى الآن للحظة العلنية، لكن ما يجري تحت الطاولة يفوق كل ما حدث وجرى في التاريخ».
عراب التطبيع
لم يكن ابن سلمان وحده من قام بزيارة لـ»إسرائيل» ، بل هناك بعض المسؤولين المقربيين من دوائر العائلة الحاكمة بالمملكة، وعلى رأسهم اللواء السابق في الجيش السعودي ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط أنور عشقي الذي التقي بعدد من المسؤولين الإسرائيليين، ليس ذلك فقط بل إنه من كشف نوايا التطبيع السعودي مع «إسرائيل»، وذلك خلال مقابلة مع موقع هيئة الإذاعة الألمانية «دويتشيه فيله»، موضحًا أن السعودية ستبدأ التعامل مع «إسرائيل» بعد أن ضمت جزيرتي «تيران وصنافير»، فالجزيرتان تُجبران السعودية و»إسرائيل» على التنسيق، باعتبار مضيق «تيران» مياهًا دولية ستعبر فيه سفن من وإلى الأراضي المحتلة.
مضيفًا أن التطبيع السعودي الإسرائيلي يعتبر ضامنًا للسلام، قائلاً: «أهم الأوراق التي تملكها المملكة هي التطبيع مع «إسرائيل»، لأن هذه أكبر ضمانة الآن لإعطاء الفلسطينيين حقوقهم، لأنه إذا طبّعت المملكة مع «إسرائيل» سوف تطبع الدول الإسلامية كلها معها».
هل يخرج من جلده الوهابي
السؤال الكبير الذي يطفو الى السطح .. هل يمكن للنظام السعودية برئاسة بن سلمان خلع جلدته الوهابية والذهاب بعيداً في خدمة المشروع الصهيوأميركي؟ .. سؤال عريض جداً ، لكن الإجابة عليه ليست بالمستحيلة، ذلك أن نزع الوهابية عن الجسد السعودي هي من الأمور المستحيلة جدا التي لن تنفع معها الحداثة التي يدعيها بن سلمان المبتذلة ولا مساعيه الزائفة للقضاء على الفساد والمفسدين، فهذا الامر يحتاج إلى تحول جذري في ثقافة مجتمع بأكمله وهذا يحتاج الى أجيال وأجيال، أما خدمته للمشروع الصهيوأميركي فمن الممكن أنها سوف تكون بلا حدود لانها من وجهة نظره هي الثمن الحقيقي لاعتلائه العرش وضمان ملكه ردحاً من الزمن حتى يجف ضرع المملكة.
ورغم الوعود الإسرائيلية للأمير الحالم بالمجد والعرش والشهرة في الحضن الإسرائيلي، إلا أنه سيواجه الكثير من التحديات والحروب التي ترقد على صفيح ساخن قد تنفجر في أية لحظة، بدءا من صراعاته مع المؤسسة الدينية الحاكمة وليس انتهاء مع حروبع وصراعاته الخارجية مع كثير من دول العالم التي لن ترضى هذا الخداع والزيف الذي لم يجلب للعالم سوى الإرهاب والخوف والرعب .
الوهم السعودي الذي يتخذ منحى الحماقة الكبرى يتجلى في تصديق كذبة إقامة علاقات شراكة وصداقة مع إسرائيل وأميركا، وهي كذبة ووهم سعودي يعشش داخل العقل الحاكم في مملكة الرمال، لانه من الخطأ بمكان أن إسرائيل تسعى لعلاقات شراكة ما أي دولة وطرف في المنطقة ، فهي أقصى ما تحتاجه هو مطية وواجهة لتنفيذ مخططاتها ومشاريعها وضمان امن وجودها وبقائها في المنطقة وصولا الى مرحلة قبولها ودمجها ككيان طبيعي في جسد المنطقة.