تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مصطفى العقاد.. حكاية الطموح والغربة والشهرة والموت

ثقافة
السبت 9-3-2013
حكمت حمود

بدأت قصة مصطفى العقاد مع السينما في منتصف أربعينيات القرن الماضي حيث كان الفتى الصغير يتردد على صالة سينما -أوبرا- في مدينة حلب وقد سحره عالم الصور المتحركة

في ظلام دار العرض أحد عارضي الأفلام كان جاراً للعائلة وقد سمح ذلك للفتى المولع باكتشاف هذا العالم السحري، أن يدخل كواليس السينما ما أتاح له أن يشاهد الأفلام مرات عديدة مجاناً وقد تمكن منه حب السينما لدرجة لم يعد يفكر فيها بأي مستقبل أو حلم آخر والطريف أنه استطاع أن يحقق حلم والده بنيل شهادة البكالوريا، ومن حسن حظه أن مستر - ميللر- مدير الكلية الأميركية التي درس بها العقاد قرر مساعدته عندما لمس هوسه الشديد بالإخراج السينمائي وهكذا أمن له مقعداً في قسم الإخراج في جامعة كاليفورنيا.‏‏

من حلب إلى كاليفورنيا‏‏

قطع مصطفى العقاد آلاف الأميال كي يصل إلى كاليفورنيا في رحلة ستغير مجرى حياته والده اشترط عليه ثمن تذكرة الطائرة ومصاريف السفر لكنه تراجع في لحظة الوداع وفاض حنان الأب أمام الفراق الوشيك فزوده بمبلغ مئتي دولار وعندما وصل أميركا عام 1953 عرف قدر الأخلاقيات التي نشأ عليها في مدينة حلب التي حملها في قلبه ووجدانه، وفي تفاصيل مذكراته تفاصيل تلك الرحلة الصعبة ففي إحدى حواراته قال «في أول يوم لي في الجامعة أتذكر حقيبة ملابسي وقد انكسرت يدها فصرت أحملها على كتفي وأتوجه إلى الجامعة» وفي الجامعة تقدم بطلب وظيفة فحصل على وظيفة خادم بيت (هاوس بوي) وظل فيها عاماً كاملاً لكن الفقر والحاحة لم يمنعا العقاد عن أن يدافع عن انتمائه العربي عندما تعرض لإهانة مباشرة من أستاذ يهودي صهيوني في السنة الأولى كان يتحدث بطريقة عنصرية عن العرب وتمضي السنوات في رحلة تحصيل علمي شاقة مارس خلالها أعمالاً ومهناً عدة ولعل أبرزها كان المراسل الصحفي لمجلة -الدنيا- الدمشقية الأسبوعية وكان في كل تغطياته الصحفية يعتز بعروبته وتراثه.‏‏

وبعد دراسة أربع سنوات في الجامعة نال شهادة «الإجازة» في فن المسرح.‏‏

وبعدها أمضى ثلاث سنوات تخصص فيها بدراسة الاخراج ونال فيها شهادة الماجستير بعد التخرج بدأ العقاد مرحلة المجاعة كما كان يصفها فقد قدم طلبات عمل لسبعة (استديوهات ضخمة - وبعد سلسلة من البرامج الخفيفة تحصل على عرض محطة - بي بي إس - التلفزيونية رغم الأجر البسيط مقابل تكريس اسمه كمخرج فني درامي وقدم العقاد من خلال تلك المحطة الشهيرة عدداً من البرامج التي نالت شهرة واسعة في أميركا كبرنامج - كيف يرانا الآخرون - وغيرها من البرامج التي أخرجته من مرحلة الجوع إلى مرحلة الاكتفاء المادي كما قال في إحدى حواراته الصحفية ثم فتحت الأبواب أمام العقاد إلى عاصمة السينما العالمية هوليود.‏‏

هوليوود النجاح والشهرة‏‏

كان العقاد أول مخرج عربي يدخل مجال الانتاج السينمائي في هوليود حيث أنتج ثمانية أجزاء من سلسلة أفلام الرعب السينمائية الشهيرة التي بدأها عام 1978 بفلم -هالووين- الكابوس لم ينته بعد - موسم الساحرة - موعد مع الخوف - عودة مايكل مايزر - لعنة مايكل مايرز - بعد عشرين عاماً - وأخيراً الانبعاث ومن بابها العريض دخل العقاد العالمية عام 1974 عندما بدأ تصوير فيلم - الرسالة- بين الصحراء المغربية والليبية - مقدماً واحداً من أعظم الأفلام التي تناولت رسالة الاسلام السمحة بصورة فنية وتقنية عالية وبإحساس روحي دافئ ففي فندقه -نيل هيلتون - بالقاهرة أقام كاتب السيناريو الايرلندي الشهير - هاري كريغ - لمدة سنة كاملة مع عبد الحميد جودة السحار وتوفيق الحكيم وأحمد شلبي ومحمد علي ماهر من أجل كتابة سيناريو الفيلم شارك في إنجاز فيلم الرسالة فنيون من تسع وعشرين جنسية واستغرقت عمليات التصوير 393 يوماً وقد أنجز الفيلم في نسختين انكليزية وعربية ولعب الممثل العالمي أنطون كوين دور حمزة عم الرسول في النسخة الانكليزية.‏‏

فيما لعب الممثل المصري العملاق - عبد الله غيث شخصية حمزة، وشكل فيلم الرسالة حدثاً فنياً وجماهيرياً كبيراً في السبعينيات والثمانينيات فقد روى بأسلوب درامي مركز قصة بزوغ رسالة الاسلام مرتكزاً على عنصرين جوهريين: قوة الايمان بالمبدأ والتسامح في التعامل مع الخصوم وكانت تلك رسالة ليس للغرب فقط بل حتى لبعض المسلمين المعاصرين.‏‏

وفي عام 1981 حقق العقاد فيلم -أسد الصحراء - عن الثائر الليبي عمر المختار فقدم تحفة سينمائية عربية الروح والرؤية والإحساس عالمية التقنيات والأداء وقد تألق انطوني كوين في أداء دور عمر المختار لم يرو العقاد في فيلم أسد الصحراء وترفض المساومات وكان يتحدث عن انتهاكات ووحشية المحتل الايطالي وعينه على فلسطين وما تعانيه من اختلال ووحشية مماثلة وقد تحول الفيلم إلى واحد من كلاسيكيات السينما العربية الخالدة وخصوصاً أن العقاد اهتم منذ البداية بدبلجة الفيلم إلى العربية.‏‏

حكاية الموت والرحيل‏‏

في التاسع من شهر تشرين الثاني من عام 2005 تعرض فندق -جراند حياة- الذي كان ينزله العقاد إلى تفجير ارهابي وتواردت الانباء عن إصابة المخرج العالمي في التفجير المذكور وتداولت وسائل الإعلام الأزمة القلبية التي تعرض لها بعد اكتشاف مقتل ابنته على بعد أمتار منه وكيف نقل إلى المشفى ليصارع الموت ليومين متتالين ثم يرحل وقد وضع الارهاب والتطرف حداً لرسالته وأحلامه بل لحياته دوى خبر وفاة العقاد على امتداد العالم كنجم لحدث الرحيل المؤلم.‏‏

لم تعرف أحلام العقاد حدوداً لأحلامه كان يولدها الواقع العربي الذي كان يدفعه إلى مواصلة كفاحه في الغرب لإزالة الغبار عن صورة العرب والمسلمين لقد جاء رحيل مصطفى العقاد ليطوي صفحة مهمة من صفحات الحضور العربي في السينما العالمية ولينهي أحلام كتابة التاريخ العربي بلغة السينما.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية