وبما سطعت بعده شمس الوطن التي حجبت ظلام سنواتٍ كانت حالكة الأحلام, وقبل عام 1963, حيث هبَّ البعثيون من مدنيين وعسكريين لقيادة الثورة التي ارتكزت على مبادئهم في السعي لتطبيق الوحدة والحرية والاشتراكية.
كل هذا, كان بالدرجة الأولى لمصلحة العمال والفلاحين والأدباء والشعراء والمثقفين الذين أخذوا يتلمسون حياتهم وأحلامهم بنشوةٍ منحتهم الحق في الإبداع ضمن فضاء لا مدى لاحترام وحرية وقدسية الكلمة فيه.
من هؤلاء «هند هارون» الشاعرة التي ومثلما عرَّفت قصائدها بالأمومة الموغلة في احتضان الطفولة, عرَّفتها أيضاً, بالحماسة التي لم تترك مناسبة وطنية إلا وأحاطتها بها, ليكون لثورة الثامن من آذار النصيب الأكثر قدرة على أن يغني شعرها.
آذارُ أغنية يـــردِّدها المـدى
وســنى, وأمنيةٌ لنا وشــعارُ
أحببتُ آذار الجميل..عشقتهُ
نعمى تهــلُّ وظــــلمةٌ تنهارُ
أيضاً, من الذين قدموا لوطنهم مثلما لإبداعاتهم ما بقي وسيبقى محفوظاً في ذاكرة الوطن, الباحث والمترجم ورجل السياسة «سامي الدروبي» الذي أوفد إلى مصر عندما قامت الوحدة المصرية - السورية عام 1958, وكمستشارٍ ثقافي سرعان ما طلب وبعد أن حدث الانفصال بإعادته إلى دمشق, ليعود وفي الخامس من أيار 1962، وليعمل بعدها في صفوف حزب البعث العربي الاشتراكي الذي كان منتمياً إليه منذ نهايات الأربعينيات, وليمارس نضاله بسرِّية تامة, وهكذا إلى أن استيقظ وزوجته في صبيحة الثامن من آذار، على صوت هدير الدبابات في شارع أبو رمانة، حيث كانت شقته. طُرق الباب وتم استدعاؤه، ودون أن تراه زوجته بعدها حتى سمعت من المذياع تشكيل الوزارة، وتسميته وزيراً للتربية.
لاشكَّ أن ثورة الثامن من آذار, حظيت باهتمامِ كثر من مبدعي سورية, يمجِّدون الوطن, ويقفون لدى محطات نضال بعثه التي وقف لديها أيضاً, الشاعر «محمد كامل الصالح» الذي استشعرها وكأنها «ذي قار» العرب.
راياتُ ذي قارَ رفَّت في أوائـلها
آذار لــوَّنها والشمس... والمطرُ
ما كان آذار في التاريخِ ذا ثــمرٍ
واليوم أصبحَ وهو الزهرُ والثمرُ
أســطورةٌ نُذِرت للحقِّ من قـــِدمٍ
وغـيمة في ســماءِ الشــامِ تنتظرُ
فـإن بعثتُ نشيدي اليوم مسـتعراً
آذار مـــلحمةٌ بالنـــار تســـــتعر
هذه هي ثورة الثامن من آذار, ثورة عمال وفلاحي ومثقفي سورية, والتي جاءت كردٍّ على إيديولوجية الانفصال, ولتلبية طموحات الجماهير في القضاء على الاستغلال والتحديات, وبالتحديث والتطوير اللذين سرعان ما تحقَّقا, وبالحركة التصحيحية.