وعلى الرغم من كلّ محاولات تشويه صورة الثورة وإخماد شعلتها، فإنّ ثورة الثامن من آذار ما زالت وستبقى، تعيش في وجدانات الشعب السوري الذي آمن بهذه الثورة والتفّ حولها منذ لحظة قيامها، وعاش معها في ظلّ إنجازاتها على مدى خمسين سنة.
لقد كانت ثورة الثامن من آذار ثورة الضبّاط والجنود الوطنيين الأحرار، وليست ثورة الضباط والجنود الفارين من الواجب الوطني، الذين خانوا قسمهم وشرفه العسكري ؛ كانت ثورة المثقّفين والمفكّرين الوطنيين التقدّميين، المؤمنين بضرورة بعث تراث أمّتها الحضاري والإنساني، وليست ثورة أولئك المتنكّرين لإرث الأمة الثقافي الإنساني، واستبداله بثقافة الفكر التكفيري المنغلق الذي يشوّه القيم الروحيّة والإنسانيّة، ويحلّل قتل الأبرياء وذبحهم.
كانت ثورة آذار ثورة العمال والفلاحين الذين وعوا واقعهم المرير، فثاروا في وجه الإقطاعية المقيتة والبرجوازية الظالمة، وعاهدوا الوطن أن يكونوا جنود التقدّم والتطوّر إلى جانب المثقفين الثوريين وحماة الديار، وليست ثورة أولئك الذين يسرقون المعامل والمصانع ويبيعونها بأبخس الأثمان، بعدما باعوا شرفهم الوطني بحفنة من الدولارات المنثورة على موائد المتآمرين على سورية وثورتها.
فثورة آذار ثورة جماهيرية وطنيّة بامتياز، هكذا كانت وهكذا ستبقى، إنّها ثورة المشروع الوطني النهضوي، من أجل البناء والتقدّم، اعتمدت على قوة الشعب الذاتية لتحقيق أهدافها، ولم تعتمد على المرتزقة والمأجورين الذين استعان بهم أصحاب المؤامرة (ثورة الردّة) وقدموا من عواصم أعداء سورية، بعدما حقنوا بجرعات ثلاثية الأبعاد (العمالة والخيانة والتآمر على الوطن)، من أجل القتل والتخريب وإضعاف قوّة الوطن البشرية والاقتصادية. إنّها ثورة بكل الدلالات والمعاني التي تعرّف الثورة بأنّها «تغيير الواقع الفاسد نحو الأفضل»، تغيير الواقع الذي كانت تعيشه سورية في ظلّ الثلاثي البغيض (التخلّف والرجعية والانفصاليّة). ولم تكن ثورة استسلام وتبعية بعقلية الرجعية والأصولية المنغلقة، كما هي الثورة المزعومة التي يدّعيها المتآمرون والإرهابيون في داخل سورية وخارجها، بمنطلقات وأهداف مشبوهة الأبعاد.
هذه هي ثورة الثامن من آذار، عاشتها الجماهير العربية على مدى نصف قرن بكلّ منطلقاتها وإنجازاتها (الشعبية والوطنية والقوميّة) فكانت وفيّة لمبادئها وأهدافها على الرغم من بعض العقبات التي استطاعت تجاوزها بفضل وعي جماهيرها وطلائعها، واستطاعت أن ترسي الأسس المتينة لبناء سورية الحديثة، سورية التقدّمية والمقاومة لكلّ المشاريع التي تسعى للمسّ بالقضايا العربية ؛ سورية التي اعترفت بموقعها ودورها دول العالم أجمع، ويعرف ذلك كلّ مواطن عايش الثورة من لحظة قيامها وحتى الآن. وسنبقى نعيشها واقعاً جماهيرياً راسخاً لأنّها انطلقت من صميم واقع الجماهير الوطنية وقرارها الوطني المستقلّ، ولم تأت بأوامر من مراكز القرار الأجنبي الذي يسعى لمصادرة السيادة السورية وقرارها الوطني. فكانت ثورة الوطنيين وليس العملاء ؛ ثورة للبناء وليس للهدم ؛ ثورة للوطن وليس لأعداء الوطن..!!
وإذ نحن نعيش نحتفل بالعيد الذهبي لقيام ثورة آذار، فإنّ الجماهير صاحبة هذه الثورة تجدّد العزم والتصميم والأمل، على أن تبقى شعلة الثورة الوطنية التقدّمية، متقدّة تضيء دروب الجماهير المؤمنة بوطنها، المتمسّكة بانتمائها الأصيل وولائها الراسخ لسورية وهويتها العربية المقاومة لمشاريع الهيمنة والتبعية ومصادرة القرار الحرّ المستقلّ.
فتحيّة إلى ثورة الثامن من آذار في عيدها الذهبي، ثورة الجماهير العربية، في سورية وخارجها، هذه الجماهير التي ستبقى رافعة شعلة الثورة الحقيقيّة، في وجه أعداء سورية الثورة من المتآمرين المأجورين، والإرهابيين التكفيريين ؛ الجماهير المؤمنة بوطنها وهي تجدّد شباب ثورتها التي ستنتصر على (ثورة الردّة) الرجعية التي تعتمد على المرتزقة والعون الخارجي، لتدمير وطنها وقتل شعبها، من أجل أحلام واهية في أخيلتهم، تعمل لإسقاط النظام الثوري الوطني.
وستسقط كلّ الرهانات وستبوء بالفشل كل محاولات النيل من صمود سورية الثورة، سورية الجماهير الثورية الأصيلة.والنصر أبداً للشعوب الوطنيّة المناضلة، والهزيمة والعار للمأجورين وعملاء أعداء الوطن.