فهل هذا انعكاس لواقع أم صورة يحاولون ترسيخها في أذهاننا ؟ وفي هذا المقال يتناول الصحفي كارل مولر أسباب هذه الحملة ضد روسيا .
يدعي البعض أن الأوضاع الدولية قد هدأت في غضون الأشهر القليلة الماضية . فقد ابتعد شبح الحرب الأميركية وحلفائها على سورية , كما وتم التوقيع على الاتفاق بين إيران ومجموعة خمسة زائد واحد . فضلاً على ذلك , أصبحت الولايات المتحدة في هذه الأثناء وهي التي خاضت خلال ال 20 عاماً الماضية إلى جانب « الغرب « سلسلة من الحروب المخالفة لنصوص القانون الدولي ضعيفة بحيث لن تكون قادرة على قيادة حروب كبرى أخرى . نضيف إلى ذلك أن حلفاء الولايات المتحدة , وفي المقام الأول الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي وهم في غالبيتهم أعضاء في الاتحاد الأوروبي غير قادرين على الدخول في حروب من دون الولايات المتحدة .
ولا نغفل أن الولايات المتحدة قد غيرت وجهة عدوانيتها نحو دول المحيط الهادي وأن على دول الاتحاد الأوروبي لعب دور البديل للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا .
وتلعب العديد من التقارير الخاصة بالوضع المتوتر حالياً في منطقة آسيا بين اليابان والصين أدواراً متباينة . من جهة , يمكن أن تكون تلك التقارير عبارة عن حملة دعائية «بروباغندا» ضد الصين , ومن جهة أخرى يمكن أن تشكل نوعاً من الانذار لإثبات أهمية الوجود الأميركي في المحيط الهادي للأوروبيين . ولكن هدفهم النهائي , التحضير لحرب ضد الصين .
كانت الأمور تبدو خلال أعوام التسعينات تسير وفقاً لما هو مقرر لها مع الرئيس الروسي بوريس يلتسين . وقد غرقت روسيا تدريجياً في الفوضى , التي شملت كل نواحي الحياة في البلاد , حتى وجدت نفسها على حافة الإفلاس , سواء أكان على الصعيد السياسي والاقتصادي أم على الصعيد الاجتماعي . وفي كتابه « استراتيجية الصدمة .نشوء رأسمالية الكوارث» الصادر عام 2007 كشف الكاتب نعوم كلاين بتفاصيل دقيقة كيف تم السعي إلى إخضاع الاقتصاد الروسي بهدف إيصال البلاد إلى الحضيض , ولا سيما من أجل الاستيلاء على مواردها الأولية عبر وضع مستشارين أميركيين والنظريات الكاذبة حول فوائد الرأسمالية الجامحة التي تسيطر عليها المصالح المالية الأميركية .
وشكلت حرب الناتو ضد يوغسلافيا في عام 1999 نقطة تحول . فقد بات واضحاً بجلاء أن المفهوم الأميركي حول « النظام العالمي الجديد « قد ارتسمت خطوطه الاستعمارية والتي هدفها الامبريالية وإخضاع العالم « للقوة العالمية الوحيدة » .
وفي عام 2000 , ومع وصول رئيس جديد , سعت الحكومة الروسية إلى تغيير مسارها عبر التخفيف من القبضة الأميركية على اقتصادها وثرواتها , وكذلك على المجتمع وسياسة البلاد . وهو مشروع حساس وصعب بسبب العديد من المصاعب التي نشأت .
من جانبه , لم يكن الغرب حريصاً على مد يد العون إليها . بل على العكس من ذلك , باتت الوسائل المستخدمة لمحاولة كسر روسيا أقل وضوحاً وأكثر غدراً . ومن كان يجرأ على تحدي هذه المحاولات علناً عبر الدعوة إلى اتخاذ إجراءات مضادة . كما هو حال الحكومة الحالية منذ عدة سنين , كان يثير امتعاض الغرب . ولعبت كبريات وسائل الإعلام الغربية , أيضاً دوراً مثيراً للشكوك ضمن هذه الحملة ضد روسيا . وفي حين كانت سياسة الاتحاد الأوروبي , وبشكل خاص سياسة ألمانية تنزلق على مسارين متوازيين بسبب الضرورات الاقتصادية , مع محاولة الجمع بين الخطاب المعادي لروسيا والدفع باتجاه علاقات اقتصادية مزدهرة , إلا أن الوضع لم يكن كذلك مع وسائل الإعلام « فقدنا زمام الأمور « . إذ على عكس الوضع مع الصين , البلد الذي يتوددون إليه بسبب أدائه الاقتصادي العالي ( واتساع سوقه ) تسعى وسائل الإعلام إلى الكشف بشكل دائم ووحيد عن السلبيات في الشأن الروسي . وقد بلغت هذه الحملة من الكثافة بحيث أن المتلقي غير المطلع لا يمكن إلا أن يفكر سلباً بهذا البلد . الجوانب السلبية تغطي كل مناحي الحياة والهدف هو إعادة معظم الأحكام المسبقة القديمة ضد روسيا . وهذا على الرغم من العمل المتواصل مع الحكومة الروسية , والتي واصلت منذ 13 عاماً لغاية الآن طرح التعاون مع كافة الدول ولمصلحة جميع الأفرقاء .
وليس حباً بالشعب الأوكراني , وإنما لأغراض جيوسياسية يحاول الاتحاد الأوروبي منذ عدة سنوات إبعاد أوكرانيا عن روسيا وتقريبها من الاتحاد الأوروبي نفسه . نعرف الآن أن « الثورة البرتقالية « في عام 2004 كانت , في الواقع عبارة عن عملية متفق على تسميتها اليوم « القوة الذكية « وهي عملية تجري بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي وضد روسيا . ولم يحالف هذه المحاولات النجاح , وفي الوقت الحالي لم تؤد مشاريع الاتحاد إلى الأهداف المنشودة , ولذلك وكما كان متوقعاً , يسارعون إلى إخفاء هذا الفشل الجديد من خلال الزعم أن موسكو تعمل على تهديد وابتزاز موسكو .