يقول إيفي لي: « ليست الحقائق وحدها التي تؤثر على الذهنية الشعبية، لكن الطريقة التي يتم فيها نشرها والتي تؤجج الخيال ... الى جانب ماهية الحقيقة ؟ فمحاولة إعلان حقيقة مطلقة هو مجرد محاولة إعطاء تفسير للوقائع « .
للأسف، لم ينقص الأحداث الأخيرة أي من الأمثلة على هذه الظاهرة. في الأيام الأولى من الحرب على العراق ، درس المحلل أندرو تيندال 414 قصة إخبارية بثتها وسائل الإعلام ABC ، CBS، NBC حول أمور تؤدي الى الحرب، و وجدت أن 380 منها، أي ما يعادل 92 ٪ ، من مصادرها كانت من وكالات ثلاثة هي: البيت الأبيض ووزارة الخارجية والبنتاغون. ووجدت الدراسة أنه من بين 574 قصة بثت عن خطاب بوش إلى الأمم المتحدة في أيلول 2002 وبداية الحرب على العراق في آذار 2003، كانت 12 منها أي 2٪ فقط، حول الآثار المحتملة للغزو.
قد لا يثير هذا الأمر الدهشة، حيث لعبت أنماط مماثلة في الحملة الدعائية لسنوات طويلة على إقناع شعوب الولايات المتحدة وبريطانيا والغرب عامة بالحاجة للتدخل المسلح في سورية . ووجدت دراسة في شهر أيلول 2013 من بيو للأبحاث أنه في أعقاب الهجوم بالأسلحة الكيميائية في الغوطة في شهر آب، كان تغطية نقاش الحرب السورية على القنوات التلفزيونية الفضائية من وجهات نظر مختلفة تفترض التطابق تقريباً. ووجدت الدراسة أن جميع تقارير قناة الجزيرة أمريكا، سي إن إن ، بي بي سي و أمريكا مؤطرة بطرق متشابهة وتعتمد على مصادر متشابهة إلى حد كبير، بما في ذلك المصادر الأكثر شيوعاً: البيت الأبيض والكونغرس، والجيش الأمريكي. ووجدت دراسة أخرى في تشرين الأول من هذا العام أن العديد ممن أطلق عليهم اسم «الخبراء» في الشأن السوري اعتمدتهم وسائل الإعلام الغربية لتقديم تعليق بشأن الصراع السوري بعد أن جندتهم ، تماما كما كان يعرض سابقاً في تغطية حرب العراق.
لا شيء من هذا مستغرب لأولئك الذين تابعوا التغطية الإعلامية للأزمة السورية منذ البداية. في الواقع، تمت الإشارة لنقاد وسائل الإعلام البديلة بالمنحازين منذ بداية الأزمة.
ويمكن ارجاع بداية حملة تأطير الرأي العام على سورية إلى عام 2006 على الأقل، عندما وافقت إدارة بوش الأولى على قيام الحكومة الامريكية بتمويل وتدريب قوى المعارضة السورية، ولكنها بدأت بشكل سافر بعد اندلاع الأزمة في 2011.
منذ الأيام الأولى للأزمة في سورية، تعتمد وسائل الإعلام الغربية بما في ذلك CNN على ناشط مشكوك فيه هو داني الدايم، والمعروف باسم « داني سورية»، للتغطية على أرض الواقع. ومع ذلك ، وبعد عرض تقارير لداني سورية ، قام أندرسون كوبر باستضافته في برنامجه، ليس لشرح سبب عرضه تقارير وهمية، بل لكيفية فبركة ذلك على شبكة الانترنت.
في آذار 2012، استقال العديد من الموظفين الرئيسيين من مكتب الجزيرة في بيروت، بما في ذلك مدير إدارة المكتب احتجاجا على انحياز الشبكة وسياسة النفاق التي اعتمدتها في تغطيتها للأحداث في سورية.
في شهر آب من عام 2012، عرضت بي بي سي تقريرا يظهر إرهابيين سوريين يخططون لخداع سجين كي يصبح انتحاريا بدون دراية منه، وهو ما يعتبر جريمة حرب بموجب اتفاقيات جنيف. وحالما بدأت عدة وسائل إعلام مستقلة بلفت الانتباه إلى المقطع ، تم حذفه بسرعة من موقع بي بي سي.
وفي أعقاب الهجوم بالأسلحة الكيميائية الأخير في سورية، بثت هيئة الاذاعة البريطانية مقابلة مع خبير طبي مشكوك فيه بعد أن تم تغيير صوته بشكل جذري في عرضين مختلفين للمقابلة اذيعت في تقريرين منفصلة. ويشير ميشال شوسودوفسكي مدير مركز البحوث حول العولمة في مونتريال، إلى فظاعة هذه التلاعبات، وحتى الانتقادات الأكثر «توازنا » مثل تقارير سيمور هيرش الأخيرة حول تلاعب استخبارات حكومة الولايات المتحدة بهجوم بالأسلحة الكيميائية في الغوطة ، والتي لا تزال تستبعد المعلومات الأساسية التي من شأنها أن تساعد الجمهور على فهم ما يجري حقا في سورية.
وقد لا يكون الشيء الأكثر أهمية حول تغطية الحرب السورية من وسائل الإعلام في التحيز الذي كان متوقعا على الدوام، بل في عدم فعالية هذه التغطية في إقناع الجمهور بضرورة التدخل العسكري في البلاد. فبعد ما يقرب الثلاث سنوات من دعاية لا هوادة فيها تحاول إقناع الرأي العام بفضائل التمرد الإرهابي و الشر الذي لا يضاهى من الحكومة في سورية، جاءت استطلاعات الرأي العام بأغلبية ساحقة إلى جانب سياسات عدم التدخل .
وقد يكون الرأي العام لاحظ انحياز وسائل الاعلام للحرب و محاولتها وضع نفسها بأثر رجعي ضد التدخل العسكري . كما لوحظت ظاهرة شعبية عالمية لإعلام المواطن المستقل اخترقت طبقات من الدعاية لنقل الحقيقة ، وتحليل مقنع للوضع على الأرض في سورية . وفي موازاة الأجيال التي تأثرت بتلاعب وسائل الإعلام ، جاءت وسائل الإعلام البديلة لتضع الأساس لنموذج بديل فيه سؤال بلاغي ساخر : « ما هي الحقيقة ؟ » والذي لديه إجابات مختلفة جدا عما تريد الطبقات الحاكمة من الشعوب أن تصدقه .