تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ضياء العزاوي وجها لوجه مع "لوحة الزمن "1من 2

ملحق ثقافي
2 /5/2006
شريف محرم

مهما كان المدى الذي يبلغه الحديث عن أزمة الفكر بين المبدع والمتلقي في مجال الفكر العربي المعاصر، من الصدق أو الزيف,فإنه يشير على الأقل, إلى بعض الظواهر الهامة, في حياتنا الفكرية,

التي تستحق وقفة خاصة, نحاول تفسيرها، وربطها في سياق واحد, يكشف عن دلالة العلاقات فيما بينها, وفي هذه المرحلة من مراحل تطورنا.ويمكننا الجزم بكل تأكيد بأن – ضياء العزاوي – هو أحد أبرز الظواهر الهامة في حالة بناء الفكر العربي ضمن – عالم التشكيل «اللغة البصرية الأصعب» في التعبير عن الجذر والإنتماء,وبادئ ذي بدء سأقول بأني لن أجزل المديح جذافاً أو الذم بل سأحاول أن أدخل مسام السر لدى فناننا بشكل تحليلي كوني أحد المشتغلين في ذات عالم التشكيل وسأحاول من خلال إلمامي بالغة التشكياية وتقنياتها ومفرداتها وعساني أن اُوصل شيئاً ولو باليسير الى المتلقي, فمن أين نبدأ وكيف نبدأ مع هذا الفنان الصعب... >> إن العواصف التي اجتاحت أوربا في عصر «جوته» و«شيلر)) لا تصمد للمقارنة أمام تلك التي اكتسحت كوكبنا في القرن العشرين, بما فيه من الثورات والحروب العالمية, وخطر نشوب حرب اُخرى, وتحرك العالم كله حركة دائبة,لقد دخل التاريخ كل بيت بشري واقتحم الحياة اليومية للإنسان باحثاً عن إجابات عن أشد قضايا العصر الحاحاً, لقد ظهر نوع جديد من القضايا, قضايا تخص كل سكان الكرة الأرضية,كل البشرية.. وإنه ليبدو لي أن الخط الفاصل الذي يقسم الفن المعاصر إلى تيارين يتجسد في السؤال لا لدى أذهان البعض,حول ما إذا كان الفن الحديث «المعاصر» يتجه إلى الانسان أم يتحول عنه وان هذا المبدأ في التقويم لايمكن أن يوصف بأنه غير مكترث بقضايا العصر, لعل اهم اشارة واجابة إلى ذلك نلمسه في جزء من مسيرة العزاوي الفنية حين بدء من الحروفية وامتداداً نحو المزية الأدبية‏

المستقاة من الروايات والقصص والقصائد ثم نحو قضايا المجتمع العالمي عامة والعربي على وجه الخصوص تراثاً وسياسة وموثقاً تلك الحصيلة في مسيرته ضمن كتب وحين هاجر موطنه نحو عالم جديد أشمل يستند على ذاكرة العزاوي في الإنتماء إلى الجذر الضارب شروشه في اطناب الأرض مع الحفاظ على تمايزه وانتماءه فلم‏

تعد قضية المثل الأعلى للإنسانية منتحية إلى مجا ل التأمل المجرد وإنما أصبحت مشكلة عملية في المقام الأول, وفي عصرنا, لم يعد هناك انفصال بين النزعة الإنسانية وبين الديمقراطية في الإبداع الفني, وذلك لأن هذه المشكلة العملية لها أهمية وخطورة حقيقية بالنسبة إلى الملاين من الناس العاديين وليس فقط بالنسبة للصفوة, التي تنشد الوصول إلى المثل العليا الخالصة من خلال «الواقع الجمالي»إو من خلال التأملات الفلسفية, وليس من قبيل المصادفة,ذلك التلاقي الحميم بين نظريات النزعة‏

الإنسانية «اللاطبقية» و «العالمية» وبين نظرية اسقاط الطابع الإنساني في الثقافة الفنية, لقد كشف ضياء العزاوي في أعماله على أنه أحد دعاة النزعة العالمية حين اشار على انه بالنسبة للفنان التعبير بشتى لغات التعبير في البناء التشكيلي, فإن التحول يعادل أن تنقلب أوضاعه رأسا على عقب.على انه إذا رفض فنان حديث أن يهادن وحشية العالم المحيط, وإذا استمر في التمسك بالمثل العليا للإنسانية, فلابد –عندئذ أن يتخذ في نشاطه الإبداعي موقفاً, حتى لو تواجدت بعض المتناقضات في أفكاره.إن الحاجة إلى اتخاذ موقف,‏

تلك الحاجة التي يفرض التاريخ الحديث على الإنسان مواجهتها, كثيراً ماتفرق الإيديولوجي في اليأس, ولكن الإيديولوجي المتمكن من أدواته ولغته ينكر هذه الضرورة ويرفض أن يضعها في الإعتبار كما هو الحال عند العزاوي....انه يمقتها ويصفها بأنها «اعدام للحرية», وينعي «موت الأشياء» وهو يحلم بالمثل والميثولوجيا السالفة التي كانت فيما مضى تحكم حياة الفرد ونشاطه الإبداعي منذ نعومة اظافره. إن العزاوي في ابداعاته لايخشى التاريخ, فالتاريخ يدفعه إلى اتخاذ موقف رغم أن ذلك ينتهك حرمة «حريته الفردية»,‏

إنه لايريد الإنقلاق في انحباسٍ بفرديته – فهو التواق إلى الإنفلات الدائم من القيود ويرفض الإنعزال الإناسي عن بقية المجتمع,فلكي يحيا «الف حياة» فسوف يستلزم ذلك أن يبحث – في عمله الإبداعي – عن إجابة لقضايا عصره الملحة, تلك القضايا الحيوية بالنسبة للملايين من البشر, وهذا بعينه السبب في أن الإنطلاق في اتجاه الجماهير يرتبط لا محالة – بالحاجة إلى اتخاذ موقف اجتماعي «وهناك يكمن حب الجمهور لأعمال ضياء العزاوي وتقدير جهوده» ولأنه من أنصار النزعة الإنسانية العالمية وليس في مقدورهم تجاهل هذا القانون الذي يحكم التطور التاريخي الحديث.‏

وهذه حقيقة في فن ضياء بأن يكون «ديمقراطيا» فهي حقيقة لأن إبداعه يستجيب إلى أكثر مسائل العصر الحاحا, لأنه يتجه إلى الإنسان وعصره.بؤرة ضوء من ثقب القلب نحو بنائية التشكيل في أعمال العزاوي. >> إذا كانت مهمة الفيلسوف منذ أرسطو حتى الآن تنحصر في إقامة نسق ذهني يرمز إلى عالم الأشياء ويعمل على تفسير ظواهره, فإن الفنان في استطاعته أيضا أن يفسر هذه الأشياء تفسيرا وجدانيا.. مستعينا في ذلك,‏

بحاسته الفنية التي تمنحه قدرة على ابتكار عالم جديد يفيض بالحياة وينبض بالصورة والأشكال والألوان وعلى هذا يمكن أن تتحقق مهمة الفنان هنا في خلق وسائل جديدة يستخدمها من أجل يغيير حساسية الإنسان,‏

وتوسيع مداركه, وإضافة أبعاد جديدة للتجربة التي يعيشها.. وبذلك يمكن أن تكون «اللوحة» مغامرة في عالم مجهول.. مغامرة تكشف عن ظواهر جديدة لا يمكن أن تدركها العين المجردة, وتنبئ بعلاقات فذة بين الأشياء لانستطيع أن نفطن إليها في ضوء الواقع, ومن ثم فلكي يحقق الفنان لوحته الإبداعية لايتورع عن تحطيم الصورة الميكانيكية للعالم, ولا يتردد في التمرد على قانون الجاذبية الذي يقاوم الإنطلاق والتحليق والذي يشد الإنسان إلى الأرض, ويفرض عليه الإنتظام في حركة آلية رتيبة. وإذا كنا نتمثل «العمل الفني» في بدايات العزاوي في تلك العملية التي يتم من خلالها تكثيف بعض المؤثرات السائدة وتشكيلها تشكيلا جماليا يوحي برؤية جديدة فلا غرابة إذا رأينا «لوحته المعاصرة» تستوعب تجربة العصر, وتعمل على تفسير معطياتها وتوسيع حدودها إلى درجة أنها تدخل في نطاقها ألوانا عديدة من الخبرة الإنسانية.ويعتبر تحوله من النظرة الإستاتيكية للأشياء, وسعيه إلى تحطيم ثوابتها‏

المقدسة إنقلابا في نظرية الإدراك, فقد أمكن للفنان رؤيته الجديدة أن يضع يده على جوهر الأشياء.. أعني أنه استطاع أن يكشف عن مفهوم الحركة في الأشياء.وعلى هذا, صار العالم أشبه بكائن ينبض بتلك الحركة الدائبة التي تمنح الأشياء تغيرها ونموها وتحولها, والتي تتمثل في أجلى صورها في ذلك الصراع المرير الذي ينشب أظفاره في الكائنات فيعمل على محوها, وتلاشيها, لكي يظهر أنواعا جديدة تحل محلها, وهكذا تجري دورة الحياة باستمرار.. وإذا كان ذلك كذلك فحتم علينا أن نرفض فكرة «المثال» الذي يعبر عن الحقائق الأزلية الأبدية, فلم يعد عالم اللوحة عند العزاوي محصورا في مقولات أرسطية, أو في طبائع نيوتن الثابتة وإنما صارت ظواهرة حركة, وتطورا, وصراعا, وخلقا مستمرا..‏

فالشئ هنا لايتألف من هيولى, وصورة, وهو ليس ظلا لمثال, أو حزمة من أفكار أو امتدادا في الخارج, ولم يعد مقولة من مقولات العقل النظري, أو ترسا في مجلة الكون, له وضعه المحدد, ومجال حركته الخاصة, وإنما صار الشئ واقعة تعيش في لحظة زمنية معينة, لحظة تضم جميع المؤثرات التي صادفتها منذ بدء ظهورها حتى بلوغها تلك الصورة التي هي عليها الآن.‏

فلا غرابة إذا رأينا اللوحة عند ضياء العزاوي تنسلخ من روابطها الآلية, وتتحرر من قيودها العلية, فلم يعد أحدها معلولا لعلة سابقة عليه, وإنما صارت علاقة الشئ بالأشياء الأخرى متمثلة في ارتباطه بالعملية الكلية للعالم >‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية