ما هي الآمال الأميركية التي خابت؟ واشنطن بلسان أوباما وكلينتون، لم تجب مباشرة، بل مداورة بالشروع في التحريض لتخليق بيئة أزمة في سورية تستدرج القيادة السورية الى استجابات تكرهها على تلبية المطامع الأميركية.
خارجية الولايات المتحدة أبلغت رعاياها وجوب عدم السفر الى سورية. ودعت المقيمين فيها إلى أخذ الحيطة والحذر، وإلى المغادرة. وهي التعليمات التي تصدر عادة في حال نشوب أزمة في أي منطقة من العالم. ولأن أزمة لم تنشب في سورية، فإن إصدار تعليمات كهذه يختزن التطلع الى استباق أزمة.
وهذا يعني أن الزعيق سيستمر في «فضائيات الـ C.I.A» كما أسماها المفكر المصري د. رفعت سيد أحمد، لتصنيع ثورة برتقالية تنشدها الوزيرة كلينتون والرئيس أوباما، على ما في هذا الزعيق من فجاجة في الافتراء والتلفيق.
الشعب في سورية يقرأ ديناميات التخليق النشط للأزمة، بمعيار مصالحه الوطنية والقومية، ويدقق في تتابعية هذه الدينامية على خط التصعيد التبادلي بين الشرطة والمحتجين، وبما يؤول تلقائياً إلى أزمة حقيقية تعصف في سورية.
فواشنطن البادية الحرص على شعار الاصلاح إنما تحتضن لوجستيا وسياسياً من يرفعون هذا الشعار، من دون أن تعلن أنها تبارك عامل السلاح الذي دخل على خط «المتغيرات».
وهنا مكمن رهان واشنطن على التصعيد التبادلي بين (الشرطة والمحتجين) لإنشاء أزمة سياسية.
إذ إن التصعيد لا يجري بين الشرطة ومحتجين يطالبون بالإصلاح، بل بين الشعب السوري بكل قواه بما فيها الأمنية، وبين قتلة أوصل إليهم السلاح بطرق شتى، كتلك الطريق التي اعترف بها ناشط معارض سوري في الخارج، عبر فضائية «الجزيرة»، قائلاً: «لقد عرض علي السلاح لإيصاله إلى درعا، بوصفي من أبنائها...» وقبل أن يكمل فيسمي الجهة التي عرضت، انقطع البث لسبب سياسي ، وليس لسبب تقني.
فواشنطن تعول على السلاح واستخدامه لتأجيج حالة تؤول إلى فتنة.
وقد استخدم هذا السلاح فعلاً في غير مكان من سورية لإهراق دماء متظاهرين يطالبون بإصلاح، ولكن غير الاصلاح الذي يطالب به القتلة ومن يورد السلاح إليهم، فجرى تصويبه إلى صدور المتظاهرين في لزوميات التصعيد وإن من جانب واحد.
ومناط تعويل واشنطن على السلاح في لولبية التصعيد التبادلي، يركن إلى أن الدم يستسقي الدم، والى أن فضائيات الـ C.I.A تلقي بلائمة استخدامه على عاتق قوى الأمن !!!! وإلى أن تنكشف الحقائق حول هوية القتلة، يكون نهر الدماء قد جرى وقضي الأمر، تحت غطاء المماثلة بين ثورة التغيير المصرية، وبين «ثورة تغيير» في سورية اقتضت ظروفها استخدام السلاح، وما قبل الأمر اليومي للخليفة الصدّيق(ر) للمقاتلين المسلمين: «لاتقتلوا طفلاً ولا امرأة ولا شيخاً عجوزاً، ولا تقطعوا شجرة».
وفي غمرة التصعيد التبادلي، وعلى بحر الدم السوري المسفوك »
تنشأ الأزمة التي تنتقل معها واشنطن من إشهار سيف العقوبات إلى التدخل المباشر، طبقا للمرحلية في خطاب الوزيرة كلينتون: لن نتدخل الآن في سورية كما تدخلنا في ليبيا.
ما الحل؟ الاسرائيلي ألوف بن، أجاب في «الحرة» 1/4/2011، إنه يكمن في إقدام سورية على قطع علاقتها بإيران وحزب الله وحماس.
وهنا بيت القصيد في هرطقة الإصلاح الذي يلتحف به موردو السلاح لتصنيع أزمة في سورية.
وهنا كذلك الانسداد السياسي أمام«الاصلاح» الذي يوظف شعار حق ابتغاء الباطل.
إذ إن وعي السوريين، بكل تكويناتهم، يدقق في الغموض المتعمد لمفهوم الإصلاح لدى من يرفعون رايته، بسيل من الأسئلة: هل يشتمل الإصلاح ردة رجعية عن المكتسبات الاجتماعية للقطاع العام؟ وعن مشاطرة الدولة للمجتمع أعباء ارتفاع أسعار السلع الأساسية كالرز والسكر؟
وهل يعني «الاصلاح» خصخصة الصحة والتعليم؟ وإطلاق يد الليبراليين، تحت يافطة الحرية، في الاتجار بالقمح وبيع الخبز للمواطنين «الأعزاء» بأسعار السوق؟!!
هذا إن حصل، فهو ردة رجعية كاملة الأوصاف.
إن الشعب في سورية يستجلي الالتباس والإبهام في شعار «الاصلاح» المنشود لدى واشنطن، والذي يلتحف به دعاة سوريون ملوثون بالأبلسة الليبرالية، للانقضاض على الأصل في منعة دمشق امام الخطط الاميركية-الاسرائيلية، وهو التنمية المتوازنة، التي هي وئيدة، لكنها أكيدة.
إن الإصلاح مطلوب حقاً بما ينصرف الى تسريع وتائر النمو، وإغنائه وتوسعته الاجتماعية، لتخصيب متلازمته في استراتيجية دمشق القومية، التي لا محل معها لشعار «سورية أولاً» الذي يدخره دعاة «الاصلاح» الرجعي.