|
مقدمات المجاميع الشعرية: نظرة استقرائية تحليلية ثقافة آملين من ذلك الوصول إلى ذهن القارئ أو ذائقته الفنية أو واعيته الثقافية أو عواطفه النفسية أو إيضاح ماخفي من مناسبات القصائد المنشورة فيه أو دوافع نظمها إلى ماهناك من مساعدات أسلوبية كسباً لود القارئ وتجاوبه مع مايقرأ، وجماع ما سلف من مقولات مع غيره مما لم يذكر قبلاً أضحى يطلق عليه بلغة النقد الأدبي الحديث (العتبات النصية).، فهل تشكل مقدمة ديوان شعري يكتبها صاحبه أو ناقد أو دارس إضافة لقيمة القصائد المطبوعة بين دفتيه؟ وهل تعد ظاهرة تصدير المجموعات الشعرية بمقدمات نقدية أو مطالعات إيصالية بعد أن شاعت لدى شعرائنا في البدايات الأولى من القرن العشرين ومع أوائل انطلاق حركة الشعر العربي الحديث محمدة أو مثلبة بحق الشاعر وشعره، أم هي فقط نوع من التأثر بواجهة من واجهات عملية المثاقفة مع الغرب وتقليده في أساليب الأداء نشراً وإخراجاً؟ أم هل هي من تدبير دور الطباعة بغرض ترويج الكتاب المنشور أو من ترتيب صاحب الأثر بهدف الإعلان لاسمه وإنتاجه، وهل هي حاجة ضرورية لايمكن الاستغناء عنها لما لها من دور إعلامي أو ليست بذات قيمة معنوية مهمة وهل وهل؟ شبيه هذه الأسئلة وغيرها قد يخطر على بال المتابع والمثقف والقارئ والناقد بصورة أو بأخرى والأجوبة عنها قد تكون جاهزة في الذهن أو حاضرة على اللسان، أهونها وأبسطها أن مثل هذه المقدمات تضيء العمل الشعري بعد أن تعرف بكاتبه وتحلل نصوصه وتقومه تقويماً ما وتحكم عليه برأي استنتاجي وهي في الوقت نفسه قد تعين جمهرة القراء على تذوق الشعر وتساعدهم على تفهمه وتهذب ميولهم الفنية وتنمي قدراتهم الثقافية لمطالعته بمتعة المعرفة والتواصل معه بوعي جمالي. يرى بعض المتابعين أو المنشغلين أو المهتمين بمثل هذه المسألة ومنجزاتها أن ثمة شعراء محدثين ساروا مسار التقديم لأول مجموعة شعرية تصدر لهم وكانوا في مطلع الشباب وأوائل تلمس تجربتهم الشعرية في بواكيرها، لكن هذا التقديم لم يكن تقريظاً محابياً ولا مديحاً مجانياً بل أخذ في حقيقة الواقع شكل دراسة نقدية جادة مستفيضة تقوم على منهج نقدي معين كتبها نقاد متمرسون في نقد الشعر ولهم باع طويل في ساحته وجولات وصولات في ميدانه وهم من أنصار حركة الحداثة، ففي منتصف الخمسينيات من القرن المنصرم نشر الشاعر الراحل صلاح عبد الصبور بداية أعماله الشعرية (الناس في بلادي) وقدم لها الناقد الحصيف بدر الديب بمقدمة وكذلك فعل الناقد المجدد رجاء النقاش عندما دبج مقدمة في الفترة الزمنية ذاتها لديوان الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي الأول (مدينة بلا قلب) بدراسة تحليلية واعية مؤسسة. من جهة ثانية عمد بعض الشعراء الرواد في حركة الحداثة إلى كتابة مقتطفات من كلمات نقاد فيها تقويم إيجابي لأشعارهم على الغلاف الثاني لدواوينهم أو في أواخر صفحاتها وتتضمن تقديراً لمواهبهم وإشادة بطاقاتهم وهؤلاء أكثر من أن يحصوا في مشرق الوطن العربي ومغربه ولاداعي لضرب الأمثلة عليهم وذكر أسمائهم وعناوين مجموعاتهم ويكفي أن نستحضر في هذا المجال مجموعة الشاعر الراحل خليل حاوي (نهر الرماد) لكن معظم هذه المقتطفات المشار إليها سابقاً تفوح بعطر الصداقة والمودة أو روح المجاملة والتودد ولا تحتوي على الأغلب أحكاماً نقدية مدققة مدروسة ولا تعبيراً عن رؤية فكرية عميقة إلا نادراً، وهذاما يدفعنا إلى أن نعتقد أن معظمها لاقيمة موضوعية لها في عالم النقد الأدبي، ولا يعتد بما جاء في ثناياها من أطروحات لأنها أدنى إلى المصانعة والمباركة منها إلى الدراسة الجادة المقنعة. ومثل هذا الصنيع تقريباً فعله الشاعر الراحل موريس قبق عندما أصدر عام 1962 ديوانه الوحيد (الحب واللاهوت) وختمه بكلمات لعلي الجندي ومدحة عكاش وغادة السمان وسواهم يفوح منها عبق الصداقة وتعابير الإعجاب بما ضمه من قصائد لكن موريس زاد على ذلك إثباته مقدمة نقدية ضافية مبكرة في فرادتها وتميزها لصديقه الشاعر كمال أبو ديب تشي بمقدرة لافتة لكاتبها على التحليل والتقييم وإصدار الأحكام الصائبة المعللة. منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي على وجه المقاربة حصل اعتياد جديد أخذت به على الأغلب دور النشر الخاصة الرصينة في الوطن العربي ويتلخص بعدم إفساح المجال لكتابة المقدمات والخواتيم للمجموعات الشعرية الصادرة عنها وخاصة للشعراء المعروفين والمتميزين على اعتبار أنه قد يكون من الأنسب والأكثر موضوعية وجدية أن يقدم الشعر لنفسه دون وسائط ووساطات ولا دعاوات وإعلانات وهذا في الحقيقة أقرب إلى جادة الصواب والتماهي مع متغيرات العصر وإيقاعاته في التجديد والحداثة والطابع العقلاني والبعد عن العاطفة واندفاع الذات بإصدار الأحكام التسويقية المتسرعة أو عمن ينصب وجوده مكان وجودها،في الانتفاخ والتضخم والمغالاة في كيل الأماديح والإشادات بالديوان الصادر ولصاحبه بشطط وتطرف وضرورة إعطاء الصدارة للإنتاج نفسه ليطرح حجم إبداعه بدل الثناء على المنتج ليتحدث هو عن مواهبه أو يتحدث عنها غيره. أما المؤسسات الثقافية الرسمية وشبه الرسمية فقد درجت في الفترة المشار إليها سابقاً على اختيار بعض العبارات التي تلم بالمجموعات الشعرية المنشورة يكتبها المفوض بالنشر أو الموافق عليه أو المسؤول المختص عنه أو تستقى من تقارير لجان قراءة مخطوطات الشعر ولكنها في معظمها لاتلعب أي دور فاعل في هذا الميدان بما يفيد مسألة الإبداع الشعري وقضيته ونظريته وإنما تميل غالباً إلى استخدام الأسلوب الإنشائي المنمق والتعابير المكرورة التي قد تنطبق على هذه المجموعة الشعرية مثلما تنطبق على غيرها في التعريف بها وبشاعرها فتكون والحالة هذه ليست بذات فائدة تذكر أو أمثولة جديرة بالاقتداء. m. alskaf@msm.com
|