مستخدمة المادة الوثائقية كأساس ووسيلة في هذا الصراع ضد الامتثالية (نزعة للتقيد بالأعراف المقررة) والنسيان.. شغفها هذا، أنتج أفلاماً قصيرة بالتعاون مع بازوليني.. ارتبط كل فيلم من الأفلام التي أخرجتها بإخراج التعقيدات الواقعية الخفية من مكمنها.
تقول سيسيليا في لقاء للايمانيتيه معها حول كيفية إنقاذ السينما لها، أنها عاشت طفولتها أيام الفاشية الإيطالية، حيث الجميع كان يؤمن بما يبثه الراديو مروراً بالسينما، وكيف أنقذت هذه السياسة إيطاليا، ثم مجيء الحرب وتدميرها للهوية الثقافية التي تمنح شعبها الشعور بالمواطنية وتعرفها في نوادي السينما على الواقعية الجديدة، أفلام روسيليني ودي سيكا، وكيف أصبحت السينما تذكرة للخروج من القلق وبناء أمور مهمة، ومشاهدة الأفلام الفرنسية لسنوات الثلاثينيات، أفلام كارنيه ورينوار ونيغو.
وحول انتقالها إلى الإخراج تقول مانجيني: «بدأت بالتصوير حين كانت الصحف المصورة لا تزال نادرة وكانت تشكل تجديداً مهماً في سنوات الخمسينيات، وبدت لي هذه الصور أقوى معلوماتياً من الكلام، فقد شكلت الصورة مدرسة لحل رموز الواقع، فكان للصورة مع الوثيقة تأثير سحري أكثر من الحقيقة، فالحقيقة كانت تحت أعيننا دائماً، أما الواقع فكان مخفياً ما لم نخرجه من مكمنه، فكانت الكاميرا العين الثالثة للوصول إلى الواقع».
أما كيف استطاعت رسم طريقها الخاص، تقول: (غادرت فلورانس للالتحاق باتحاد نوادي السينما في روما، إذ كانت عبارة عن جامعة شعبية، وكان العمل للسينما حلماً. وألزم قانون التوثيق المنتجين بالبحث عن مواهب جديدة.. أحد هؤلاء المنتجين استدل على البعض من صوري المنشورة في صحيفة مهمة: إيل موندو التي كان يكتب فيها كبار المثقفين الإيطاليين، وهكذا كانت انطلاقتي الأولى إلى الإخراج السينمائي بثقة مطلقة بصحة تدريباتي المختلفة.. بعد التصوير فقط أدركت حماقتي. في الفيلم الذي تلاه، حضرت له جيداً، وبالمقابل أحببت جداً الأفلام التي عملتها مع بازوليني).
وحول ماذا حمل لها بازوليني تقول سيسيليا: رؤية إيطاليا بأسلوب مختلف تماماً، وأدين له بالنصوص التي كتبها لأفلامي وعن أفلامي، فقبل ذلك، كان يتم التعليق على كل توثيق بصوت غير متخصص، بينما بازوليني تحدث عن عمق المادة السينمائية، فقد شاهد أفلامي أولاً بالنسخة الصامتة ثم وضع نفسه كشخصية من شخصياتها.. لم يعلّمنا فقط كيف نبحث عن الأصوات الشعبية، لكن علمنا بأي طريقة نستخدمها أيضاً.
أما بصدد تأكيدها على ضرورة المسؤولية الفردية في اتخاذ القرار الذي يمليه الضمير، ولماذا فرض عليها ضميرها التوقف عن إخراج الأفلام الوثائقية في نهاية سنوات السبعينيات، تقول: «في ذلك الوقت، القوانين التي كانت تسمح بانطلاق (نمو) الأفلام القصيرة والوثائقية تلاشت.. واستمريت بالعمل على سيناريوهات. أخرجت أنا وزوجي ولينوديل فرا فيلماً عن غرامسكي، وبعد وفاة لينو واكبت النهضة الوثائقية الإيطالية، حيث أصبح لدينا جيل جديد من السينمائيين الرائعين، يتمتعون باستقلالية لا مثيل لها».
والجمهور الإيطالي غير معتاد على الأفلام الوثائقية والقصيرة، لكن سنتمكن من إقناعه بقوة الإرادة رغم أن الأمر ليس سهلاً علي في مثل هذا السن، لكن لابد أن أشارك في إعلاء هذه «الموجة الجديدة».