في الآونة الأخيرة حيث المظاهرات الشعبية تشتعل في أرجاء مصر وتشعل معها مخاوف أخرى في صدر «إسرائيل» فتسرع للملمة أفكارها المتبعثرة وحزم موقفها والتوجه عبر الأثير للضغط على الإدارة الأميركية وانتزاع غطاء سميك آخر يضمن لها حسن سير الانتقال المنظم للسلطة في مصر بعد خلع رئيسها حرصاً منها على استمرارية النبض في عروق «الموقف الطوعي الذي قدمه مبارك لها في عهد رئاسته» الموقف الطوعي يندرج ضمن تنازلات كثيرة ومتنوعة سبق وأن قدمها مبارك لإسرائيل جهراً وعلناً، الموقف إياه لم يتم الافصاح عنه على الإطلاق في السابق لكنه في الواقع يرتدي أهمية استراتيجية بالغة تثير في الحقيقة رغبة «إسرائيل» بوضع يدها على مياه النيل!!
فهل تعي «إسرائيل» ماذا تطلب؟ بصراحة تطلب بمعنى ما القبض على نفس كل مواطن مصري كيف لا ومصر قد ولدت على ضفاف النيل وتعتاش من خيراته حيواتها بالكامل تأسست على هذا النهر العظيم الذي يمتد لأكثر من 1500كم إلى الحدود الجنوبية لمصب دلتا على البحر المتوسط حيث يشكل وادياً خصيباً عبر الصحراء 85 مليون نسمة على ضفافه في منطقة دلتا ويساهم في احتضان أكثر من 95٪ من الشعب المصري، إن سد أسوان الذي بني بمساعدة الاتحاد السوفييتي السابق ما بين 1960-1971 والذي أقام بحيرة اصطناعية ضخمة أطلق عليها بحيرة ناصر ومن ثم في التسعينيات بدأ العمل بإقامة مشروعات مائية أولى تعمل على قوة دفع المياه من ضمنها قناة السلام وتنقل المياه من أحد فروع الدلتا باتجاه الشرق وصولاً إلى شبه جزيرة سيناء بعد مرورها من قنوات مخفية في الأرض تحت قناة السويس تحديداً ولكن المنشآت المهمة تلك تقلل في الحقيقة من نتاج النيل وحمولته من المياه إضافة إلى كمية الطمي التي تنقلها مسببة في ذلك تراجع الدلتا وبالتالي ضياع آراض خصبة كثيرة في الوقت الذي تتيح فيه أيضاً تروية أراض جديدة وإنتاج طاقة كهربائية مهمة.
ولعل الأمر الأساسي والحيوي معاً أن تمضي مصر قدماً في التصرف بمياه النيل واستثمارها في الجهة العلوية منه أعني حوض النهر وطوله 6.671 كم وروافده ثمة ثمان دول أخرى تنتشر عليه مع ذلك وهي السودان ،أثيوبيا، كينيا، أوغندا، كونغو، رواندا، بروندي وأيضاً تانزانيا هذه الدول مجتمعة تتشارك مع مصر في إدارة المصادر المتعلقة بالماء (الهيدريكية) في المنطقة أن ذلك يتطلب مجهوداً ضخماً، لقد نصت الاتفاقات التي تعود للحقبة الاستعمارية البريطانية على منح مصر والسودان حق استخدام 80٪ من مياه النيل لكن الدول الأخرى الآنفة الذكر تطالب بحصة أكبر من ذلك وقد سبق أن عقدت اتفاقاً عام 2010 بشأن ذلك ولكن سرعان ما تم رفض التوقيع عليه من قبل حكومتي مصر والسودان معاً.
المسألة تبدو معقدة للغاية في ظل إمكانية ولادة حكومة مصرية جديدة ذلك أن جنوب السودان الذي يسعى لتغيير القاعدة الجيوسياسية لحوض النيل يساهم بالحقيقة في تعقيد مسألة توزيع مياهه.
أضف إلى ذلك أن الرئيس المصري السابق قدم مساعدة حكومته لجنوب السودان بتنفيذ قناة في منطقتهم في الوقت الذي أعلن فيه موافقته على وحدة السودان!! أجل لقد رعت الحكومة المصرية مشروع القناة تلك وبوشر العمل فيها عام 1978 ثم مالبثت أن توقف عام 1984 إنه لمشروع ضخم يتيح لمياه النيل البيضاء الرقراقة الإحاطة بمنطقة سبخة واسعة (مستنقعية) وفيها يصب النيل مياهه الأمر الذي يزيد من أهمية النهر وحمولته عند سافلته.
بقلم مانيلو دينوسي