فهل كان هناك من يصدقه? إن إخفاء الحقائق مسألة شائكة ومحكمة يصعب الكشف عنها. تقول منظمة (الأمن الكوكبي) وهي منظمة أميركية, إن 21 دولة فقط تشارك الآن بقوات برية في الحرب, بل إن دولتين صغيرتين مخدوعتين قررتا سحب قواتهما, وللمزيد من الدقة فإن دولتين فقط , غير الولايات المتحدة, لهما أكثر من ألف جندي في العراق, هما بريطانيا وكوريا الجنوبية, وهناك سبع دول لها أقل من مائة جندي, ومن الناحية الفعلية فإن هذه الأعداد الصغيرة من الجنود لا تشارك في عمليات قتالية.
يبدو أن بوش اعتمد على أن مستمعيه لن يجدوا الوقت الكافي للتحقق من صحة مزاعمه, وقد جاء خطابه في ختام مهرجانات من الأكاذيب والسخافات لتبرير حرب استعمارية, دموية, كارثية, أميركية ضد الشعب العراقي, بدأت المهزلة في مهرجان الأكاذيب بشهادة كل من الجنرال ديفيد بترايوس قائد القوات الأميركية في العراق والسفير الأميركي في بغداد ريان كروكر, ملخص مجموعة الأكاذيب أن قوات الاحتلال تحرز تقدماً في المجال الأمني في العراق, وبدأت تأخذ زمام المبادرة ما يعني نجاحاً قد تحقق في زيادة القوات الأميركية هناك والعكس هو الصحيح.
والمطلوب الآن حسب ما يريده بوش تحديد شكل الوجود العسكري الأميركي الدائم في العراق وضمان استمرار السيطرة العسكرية والسياسية والاقتصادية والأمنية في العراق إلى ما بعد انتهاء رئاسته وهو أمر في غاية الصعوبة, فلقد كانت تصريحات بترايوس قائد الجيش الأميركي في العراق كلمات خجولة عن الهزيمة التي يريد أن يتخلص الجيش الأميركي منها من خلال عدد من الالتزامات والإجراءات الأمنية والقتالية الفاشية المنهكة, ,لم يتحدث بترايوس في شهادته عن إرسال أربعة آلاف جندي أميركي إضافي إلى العراق في الأسابيع القليلة القادمة.
هنا تنكشف الأكاذيب الواحدة تلو الأخرى, فحتى الحديث عن تخفيض القوات الأميركية هناك هو مجرد لغو, ذلك أن وعد بوش بسحب أربعة آلاف جندي في (ك 1) 2007 يعني أن يصل عدد القوات الأميركية إلى الحجم الذي كان عليه قبل إرسال الآلاف الأربعة الجديدة (أي 168 ألفاً) بدلاً من 172 ألفاً وعندما يقع انسحاب جزئي آخر في صيف العام القادم يصبح عدد القوات الأميركية هو العدد الذي كان عليه قبل إرسال الثلاثين ألف جندي (التعزيزات الإضافية التي تقررت في (ك 2) 2007 وهو 132 ألف جندي, بوش يضلل شعبه وكل مهرجانات الفخار الكاذب أصبحت مجرد تهريج مبتذل, لقد قرر بوش أن يورث الحرب لخلفه وقد أعد لهذه الغاية قواعد عسكرية دائمة نكتفي الآن بتعدادها: معسكر التاجي, قاعدة غانر وكوك, معسكر الرشيد, قاعدة الأكاديمية العسكرية وغيرها من القواعد الموزعة في أنحاء العراق وأهمها القاعدة التي نزل بها بوش في الأنبار, هناك قاعدة تبنى على حدود إيران كل ذلك في خطط مستقبلية لبقاء المحتل بقيادة 3000 من الدبلوماسيين من مختلف الاختصاصات ستدير العراق عقب الانسحاب من المدن إلى القواعد بمعنى, آخر احتلال طويل الأمد.
* سفير سابق