ؤكد ما ذهبتا إليه من مزاعم, لكن يبدو أنهما ما زالتا على اعتقاد بأن الافتراءات التي اطلقت حول وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق, ولقيت استجابة منا آنذاك, يمكن تداولها في الوقت الحاضر وإقناعنا بافتراءاتهما الجديدة, لكن ما نخشاه الآن أن يتمكنا من التوصل إلى كسب ثقتنا بما يروجانه من أقوال تفتقر للدقة والموضوعية.
لقد توصلنا إلى إيمان تام بأنهما قد كذبتا علينا فيما يتعلق بتبرير الحرب على العراق, فهل علينا أن نصدق أكاذيبهما حول طهران اليوم?
كشف وزير الخارجية البريطاني روبن كوك في مذكراته التي نشرت مؤخراً أن توني بلير ورئيس الاستخبارات المشتركة جون سكارليت كانا على علم تام بعدم وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق قبل الحرب التي شنت عام ,2003 ويقول كوك بأن بلير قد غضب مما ورد بتقرير مفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة من عدم وجود تلك الأسلحة لأن ذلك يحول دون إمكانية إقناع الشعب بأن الحكومة العراقية على ارتباط وثيق بمنظمة القاعدة.
على الرغم من المساعي التي تبذلها الولايات المتحدة و (إسرائيل) لإقناع العالم بضرورة الحرب على إيران (على غرار الأسلوب الذي اتبع بالحرب على العراق) إلا أنه لم يكن في الحسبان ظهور المعوقات التي لم يكن لها وجود إبان التحضير للحرب على العراق, وكان في المقام الأول منها الموقف الذي اتخذه المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي الذي رفض التعاون معهم في إقرار تلك المزاعم, حيث أخبر إحدى الصحف الفرنسية بأن إيران لا تشكل خطراً مباشراً, وأكد في لقائه مع قناة ال CNN عدم وجود أدلة تثبت قيام إيران بتطوير برنامجها النووي, وقد كان من المفترض أن يكون لقول البرادعي, ذلك الرجل الذي لديه العلم والخبرة بواقع الأمور ما يزيل المخاوف عنهم من تطور البرنامج النووي في إيران (ذلك إن كان هنا مخاوف أصلاً) لكن بدلاً من تجاوز ذلك نجدهم قد استشاطو غضباً من أي تصريح له حول هذا الموضوع.
وعبر عن ذلك جون بولتون سفير الولايات المتحدة الأسبق في هيئة الأمم باتهام البرادعي ووصفه (بالمحامي عن إيران) حيث يرى بأنه كان يتعين عليه أن يعمل لصالح الحكومات الأعضاء في الوكالة بدلاً من أن يعمل لصالح أي جهة أخرى.
وقد دعا شاؤول موفاز نائب رئيس (الحكومة الإسرائيلية) إلى إقالة رئيس وكالة الطاقة الذرية من منصبه, وقال إن السياسات المتبعة من قبل البرادعي تشكل خطراً على السلام العالمي.
أما كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية فقد اتهمته بأنه يخفي حقيقة الأمور السائدة حول البرنامج النووي الإيراني وجاء رد البرادعي بقوله إنه سئم من الطرق غير المشروعة والسرية لجهة الضغط على إيران.
إن رايس تتبع موقفاً مضللاً, إذ بالرغم من الاعتقاد السائد من كونها تنتمي للمعسكر الدبلوماسي, إلا أن واقع الأمور يؤكد خضوعها لآراء الصقور في إدارة البيت الأبيض.
منذ مدة نفت رايس بأن الولايات المتحدة تستعد للحرب مع إيران, مؤكدة الرغبة بإجراء حوار معها في حال تخليها عن برامجها بتخصيب اليورانيوم, لكننا نتساءل: لماذا هذا التعطش للحرب, فهل لديهم معلومات تفتقر إليها وكالة الطاقة الذرية بشأن إيران, وهل لديهم معلومات استخباراتية لم يطلع عليها البرادعي? ونجد الإجابة عن هذا التساؤل فيما كتبه جارث بورثر في الانتربرس سرفيس بأن الاستخبارات الوطنية في الولايات المتحدة قد أبعدت عن تناول الموضوع الإيراني لمدة تناهز العام في محاولة من الإدارة للضغط على الاستخبارات لوقف أي أحكام مخالفة لتوجهاتها حول البرنامج النووي الإيراني, ذلك الإجراء الذي لقي مباركة من نائب الرئيس الأميركي ديك تشني ذي السياسات العدائية.
إن السيناريوهات التي تتبعها الإدارة الأميركية للتأثير في الرأي العام قد توضحت في صحيفة ال (واشنطن بوست) التي عرضت بعضا من مذكرات وزير الدفاع دونالد رامسفيلد التي تتضمن توجيهاته إلى أعضاء طاقمه, كتب في أحدها عن ضرورة الاستمرار بتصعيد التهديدات عبر ربط مشكلات العراق بالحكومة الإيرانية, الأمر الذي يساعد بكسب التأييد للحرب وقال لهم: اجعلوا الشعب يدرك أنه محاصر من المتطرفين في كافة أنحاء العالم وعليهم أن يكونوا مستعدين للتضحية دون تردد.
فيما يتعلق بالقضية النووية لم تستطع واشنطن تقديم أدلة ثابتة عن التطوير النووي في طهران, ما حال دون قدرتها على ضمان صدور عقوبات من الأمم المتحدة ضد طهران, ولسبب من روسيا والصين اللتين رفضتا الذريعة التي تقدمت بها الولايات المتحدة بشأن تطوير السلاح النووي في إيران.
تعمل الولايات المتحدة على عرض مخابئ الأسلحة في العراق على الصحفيين مظهرة لهم بأنها مصنعة في إيران, لكن الصحفي ديفيد سميث قال أن الأميركيين قد مارسوا ضغوطاً كبيرة على المسلحين الذين يجري استجوابهم بحثاً عن إيجاد دليل يدين إيران, وقد أخبره أحد المسؤولين الاستخباراتيين بأنهم يهدفون إلى إيجاد علاقة لإيران بالمسلحين العراقيين, كما وأخبره أحد المحققين التابعين للجيش الأميركي بأن الحصول على أي معلومات تدين إيران تعتبر ذات أهمية كبرى وتساوي ذهباً.
المساعدة الفعالة:
تسعى الولايات المتحدة وفرنسا والدول الغربية, وبالطبع (إسرائيل), إلى الإعداد لحرب على إيران بهدف إعادة تشكيلها, وبذلك يتحقق للولايات المتحدة الهيمنة عليها, وستسيطر على المنطقة برمتها بما تحمله من موارد اقتصادية, هي أيضاً ستتمكن من تجريد حزب الله وحماس من مصدر دعمهما, وستفقد روسيا نفوذها في المنطقة, وستعاني الصين من توفير حاجتها من الغاز والنفط.
أما (إسرائيل) التي ترى بإيران تهديداً لوجودها فستشعر بقوتها, ولن تجد نفسها مضطرة لعقد أي اتفاق مع الفلسطينيين أو غيرهم.
ذلك هو أساس الموضوع, والسبب الحقيقي في إصرار إدارة بوش على القيام بحرب ضد إيران, لكنها لا تعلن هذا السبب.
يوجد 52% من الأمريكيين يؤيدون توجيه ضربة إلى إيران بسبب طموحاتها النووية, وذلك وفقاً لأحدث استطلاعات للرأي, ولا شك بأن للدعاية الإعلامية في الداخل المقام الأول في قيام أي حرب, وفقاً لما ذهب إليه وزير الدعاية النازي جوزيف غوبلز الذي أعلن أن قول الحقيقة هو العدو الأكبر لبلاده, ولا شك أنه سيكون سعيداً في قبره عندما يرى أن نصائحه أخذت سبيلها نحو التطبيق.
الأنترنت: عن موقع gulfnews