قد خفضوا كثيرا من توقعاتهم وآمالهم السابقة في هذا المؤتمر لدرجة أنهم لم يعودوا يطلقون عليه كلمة مؤتمر conference واستعاضوا عنها بكلمة (اجتماع مشترك joint meeting) بين الجانبين لا أكثر.ويواجه كل من المفاوضين (الإسرائيليين) والفلسطينيين صعوبات جمة في الاتفاق حول إصدار موجز مشترك بخصوص ما سيكون عليه شكل السلام النهائي بينهما وكما يقول مسؤولون من جانبي أولمرت ومحمود عباس بأن الرئيسين يتفاديان التعبير عما يريدان التوصل إليه سواء كان كتابة أو بأي شكل آخر علني خوفا من التكلفة السياسية الباهظة لأية تنازلات قد يضطر الرئيسان إلى تقديمها لاحقاً.
وقبل انعقاد هذا المؤتمر في مدينة -أنا بوليس- في ولاية ميريلاند الأميركية فقد حذر أعضاء تحالف حكومة أولمرت من مغبة المضي أكثر مما يجب في تحديد موقفهم ورؤيتهم لإنهاء النزاع conflict وفي الوقت نفسه يعاني المفاوضون الفلسطينيون لتحديد موقفهم التفاوضي منفردين دون حصولهم على أية مساعدة لتحديد هذا الموقف من قبل محمود عباس وفي هذا الاطار قال مسؤول رفيع المستوى مقرب من أولمرت بأن فريقهم المفاوض يفضل الحديث عن مجرد بدء المفاوضات لا أكثر لعدم تمكنه من إعداد ورقة تفاوضية مشتركة بين أعضائه وقد تعود رايس إلى المنطقة ثانية قبل انعقاد المؤتمر لحث الطرفين على تحديد موقف اكثر علانية ودقة وتقاربا تجاه الحل الممكن للنزاع.
وحتى لو اتسمت أي من الأوراق المقدمة بالغموض في اجتماع - أنابوليس- المتوقع فإن ذلك لن يقلل من أهميته أو اعتباره ضمن الجهود المبذولة exerted efforts لبدء المفاوضات الأولية حول عملية خريطة طريق السلام المشلولة منذ عام .2003
وكان أحمد قريع كبير المفاوضين الفلسطينيين قد صرح قائلا: إن ما نحتاجه لنجاح اجتماع أنابوليس هو تنفيذ المرحلة الأولى من خارطة الطريق The Map Road وبما أنه توجد شكوك متباينة بين الجانبين الفلسطيني و(الإسرائيلي) خلال السنوات السبع الماضية فإننا نحتاج إلى بناء الثقة حاليا بين الطرفين.
لكن على الصعيد العملي لن يتحقق شيئ من هذا قبل انعقاد لقاء -انابوليس- فبالنسبة لرئيس الوزراء (الإسرائيلي) -اولمرت- يبدو اطلاق سراح المزيد من السجناء الفلسطينيين قبيل انعقاد اللقاء المذكور أشد صعوبة من اعلان المبادئ المشتركة بينه وبين الجانب الفلسطيني, ليس ذلك فحسب بل تبدو خطوة كهذه أكثر تهديدا وزعزعة ل أولمرت من الناحية السياسية على حد قول المسؤول (الإسرائيلي) الذي رفض ذكر اسمه.
وبين هذا وذاك لا يزال الطرفان يخوضان صراعهما الداخلي الخاص بخصوص التنازلات الواجب تقديمها فيما يتعلق بالقضايا الرئيسية:
ترسيم الحدود النهائية الفاصلة بين فلسطين و( إسرائيل) والوضع النهائي للقدس واللاجئين refugees الفلسطينيين. وبينما اتفق طرفا التفاوض على ترك قضية مصير القدس جانبا في هذه المرحلة لكنهما لا يزالان على خلاف كبير فيما بينهما بخصوص القضايا الرئيسية الأخرى أيضا, فمثلا يصر الفلسطينيون على أن تكون الرؤية واضحة بخصوص ترسيم الحدود النهائية لدولتهم المستقبلية ويفضلون الغموض بخصوص قضية اللاجئين الذين أجبروا على مغادرة ديارهم في عام .1948
أما » إسرائيل) فهي تتعمد من ناحيتها أن تكون في غاية الغموض تجاه الترسيم النهائي لحدودها وتقرير مصير مستوطناتها والأراضي التي احتلتها حيث أن هذه الأراضي هي بطاقة التفاوض التي ظلت تتمسك بها دائما وفيما يتعلق بتقرير مصير اللاجئين يرغب أولمرت ووزيرة الخارجية »الإسرائيلية) - ليفني- أن يعربا عن موقفهما الثابت والقاطع بعدم عودة اللاجئين إطلاقا إلى - ما أصبح الآن- أراضي » إسرائيل) مع تأكيد القول إن أراضي الدولة الفلسطينية التي سيتم الإعلان عنها هي التي ستكون الموطن الطبيعي لجميع الفلسطينيين, لذلك فإن أولمرت يبدي تردداً ملحوظاً تجاه مجرد الأخذ بأي اعتبارات إنسانية ربما تبرر حدوث بعض الاستثناءات في قضية عودة اللاجئين هذه مثلما حاولت إدارة كلينتون الأخذ بها سابقا في محادثات كامب ديفيد كما يصر أولمرت على ضرورة اعتراف الفلسطينيين بدولة »إسرائيل) باعتبارها دولة يهودية وفي هذا الاصرار Persistence ما يشير إلى محاولة أخرى منه لقفل الطريق أمام عودة اللاجئين الفلسطينيين.
يشار إلى أن الترتيبات الجارية لعقد اجتماع - انا بوليس- مسبوقا بالزيارات العديدة التي قامت بها كونداليزا رايس إلى المنطقة قد أفرزت مفردة جديدة في القاموس السياسي »الإسرائيلي) المستخدم حاليا ألا وهي (ليكونديل -LecondeL) وهي عبارة مقتبسة من الاسم الأول ل-كونداليزا رايس- وتعني عندهم الحديث الذي لا يفضي إلا إلى القليل من النتائج التي تكاد لا تذكر وحتى في حال توصل اجتماع - انابوليس- المرتقب إلى صفقة سلام ما وهذا ما يشك في حدوثه الكثيرون فإنه ليس مرتقبا لهذه الصفقة أن يتم تنفيذها قبل عدة سنوات.
* بقلم ستيفن ايرلانجر