تكاد تنقضي سنتان على الأزمة في سورية، ومن غسل وجهه بالرحمة والإيمان يدرك حقيقتين واضحتين تماماً الأولى هي أن الشعب السوري العظيم لم تزده هذه الأزمة إلا صلابة في مواجهة المؤامرة وتعاضداً في تخطّي آثارها، وتراحماً وتسامحاً مع من عاد عن خطئه، والثانية هي أن الذين باعوا أنفسهم للشيطان لم يجدوا لهم أي مكان يؤسسون فيه مشروعهم التآمري، وأي مكان حاولوا زرع قواعدهم فيه تزلزل بهم على وقع ضربات الحق من جيشنا الباسل درع الأمة وسياج الوطن..
حول هاتين الحقيقتين دارت وتدور رحى السياسة، وتتغيّر فصولها وطقوسها، وكنّا كسوريين السبّاقين إلى القول :إن عملية إعادة تموضع القوى العالمية ستُبنى وفق ما تؤول إليه الأمور في سورية، وأن سورية هي التي ستعيد ترتيب التوازنات السياسية في العالم وهذا ما بدأ يحدث فعلاً..
أي حريق يترك خلفه بعض الجمر الذي يحتاج وقتاً ليخمد بشكل نهائي، والأزمة في سورية إلى انفراج قريب - إن شاء الله - ولكن ستبقى بعض آثارها عالقة في المكان وفي الأذهان بعض الوقت، ونعتقد أن التعامل مع هذه الآثار المتبقية سيكون تحدياً حقيقياً في مرحلة النقاهة والتي تستوجب اهتماماً أكبر من السابق لأننا في مرحلة المواجهة كنّا قادرين على تجاوز بعض التقصير أو بعض الأخطاء، ولا نعتقد أنه من المقبول أن نحتفظ بذات القدرة في تحدّي ما بعد الأزمة..
اضطررنا خلال مراحل عديدة من الأزمة للتعامل مع بعض تجّارها المستغلين، واضطررنا لقبول غياب الجهات الرقابية لكن هل من مبرر قادم للفرجة على هؤلاء المستغلين وهم يصولون ويجولون وكأن لا سلطة فوق جشعهم واستغلالهم؟
تجاوزنا أكبر مشكلة يمكن أن يعانيها المواطن العادي (الخبز والمحروقات) بكثير من الصبر والتحمّل والوعي لحجم المؤامرة التي يتعرّض لها بلدنا فهل سنسمح بعودة هذه الأزمات المعيشية وقد بدأت أسبابها بالزوال؟
المواطن مسؤول، وعليه دور كبير في التصدّي لتجّار الأزمات لكن إن لم يفعل المواطن هذا ولم يقم بالدور المطلوب منه هل تتفرّج الحكومة وتكتفي بإلقاء اللوم عليه؟
سأنقل شكر الكثيرين من الناس العاديين للتلفزيون العربي السوري الذي ينقل جلسات مجلس الشعب على الهواء مباشرة لأنه وفّر لهم فرصة تقييم عمل ممثليهم في مجلس الشعب، وبالوقت ذاته أتاح لهم التعرّف على ما تقوم به الحكومة من أجلهم، وأنقل اقتراح بعضهم بإطلاق قناة فضائية خاصة تكرّس ساعات بثّها لنقل وقائع جلسات مجلس الشعب ولبرامج رقابية تتابع ما يطرحه أعضاء المجلس وردود الحكومة وما مصير الطروحات والردود حتى لا نعتقد – والكلام لأصحاب الاقتراح – أن الجلسات المتلفزة ما هي إلا سيناريو متفق عليه بين مجلس الشعب والحكومة..
الإعلام السوري قام بدور كبير خلال الأزمة الحالية ومازال يقوم بهذا الدور الوطني المتميز، ولأن الإعلام المتلفز هو الأقرب للجميع فإن المنتظر منه ما زال كثيراً خاصة وأن جميع الخطوط الحمراء قد أُزيلت من طريقه ووحدها خطوط الوطن ومصلحة المواطن هي التي تمنحه القوة والتأثير لذلك فمن الجميل من قنواتنا الوطنية أن تكون أكثر قرباً من الهمّ المعيشي للناس وأن تنحاز للمواطن بشكل كامل فنحرص جميعاً على إعادة رسم تفاصيل الوطن بكل شفافية ووضوح وغيرية حقيقية على مصلحته التي هي بالنتيجة مصلحتنا جميعاً..
وحتى يكتمل المشهد الذي نبحث عنه من حقنا أن نطالب ممثلينا في مجلس الشعب بالاستماع إلينا، فكما جاؤوا إلينا طالبين أصواتنا فليأتوا إلينا ويسمعوا آراءنا وطلباتنا وملاحظاتنا ولتكن هناك لقاءات جماهيرية شهرية أو ربعية في كل محافظة بين ممثليها ومن يرغب من المواطنين شرط أن يُعلن عن موعد هذه اللقاءات ومكانها قبل فترة كافية وبشكل قوي بحيث يصل الإعلان إلى الجميع وفي هذه الحالة فقط يكون عضو مجلس الشعب ممثلاً لمن انتخبه، أما من دون هذه اللقاءات فإن عضو مجلس الشعب لا يمثّل إلا نفسه لأنه وبكل صراحة يبني موقفه وطرحه على قناعاته الشخصية ورؤيته الخاصة للأمور بينما الدور الحقيقي له هو أن يتحدث بما يريده ناخبوه وبما يلبي مصلحتهم ولو اختلف ذلك مع قناعاته الشخصية.