بحيث تصبح أقل عدائية وانحيازاً للكيان الصهيوني وأدواته التخريبية في الداخل السوري، فإذا بالتغيير الذي أطاح بالعجوز المتصابية هيلاري كلينتون وجاء بالعجوز جون كيري نمطيا وشكليا «وكأنك يا أبو زيد ما غزيت».
فالخارجية الأميركية التي رعت شراذم المعارضة السورية في الخارج وأنتجت هياكلها البالية بدءا بمجلس اسطنبول الأخواني المصغر وصولا إلى مجلس الدوحة الأخواني الموسع، وسلحت سراً وعبر أدواتها ووكلائها من أتراك وقطريين وسعوديين الجماعات المسلحة الإرهابية التي تمارس أعمال القتل والنهب والتخريب على الأرض السورية، ما تزال تمارس نفس الدور وما التصريحات الخارجة عن اللياقة السياسية التي أطلقها كيري قبل أيام في مؤتمر روما لأعداء الشعب السوري سوى نسخة كربونية عن تصريحات كلينتون طوال العامين الماضيين، والتي لم تستطع قراءة مجريات الأحداث في سورية خارج الرؤية والقراءة الصهيونية المعروفة، بحيث مارست المراوحة في المكان على أمل الوصول إلى معطيات ميدانية تعزز هذه القراءة وتعطي لأميركا ما عجزت عنه في العراق وغيرها من ساحات المصالح الأميركية.
بالأمس مارس كيري هرطقته السياسية عبر الحديث عن دعم ما اسماها المعارضة السورية المسلحة سياسيا وماديا وبوسائل «غير قاتلة» في الوقت الذي كشفت فيه صحف أميركية عن قيام السعودية بتزويد هذه المعارضة وعبر تركيا ـ وهما حليفتان لواشنطن ـ بأسلحة كرواتية، في حين دعا إلى حل الأزمة السورية سياسيا، فكيف يمكن التوفيق بين إرسال السلاح والمال للإرهابيين والعناصر الراديكالية التي يحاربها الغرب في أماكن أخرى وبين الحل السياسي الذي يقوم على التفاوض والحوار، وهنا تكشف السياسة الأميركية عن مفارقة كبرى حيث يحق لفرنسا والولايات المتحدة بالعرف الغربي أن تطاردا الإرهابيين في مالي وأفغانستان في حين يمنع على سورية أن تدافع عن نفسها وعن شعبها والإرهاب يجتاح حدودها ويأتيها من كل حدب وصوب، والأكثر مفارقة هنا هو أن الجهات التي تحارب الإرهاب في مناطق مختلفة من العالم هي نفسها التي تدعم الإرهابيين القادمين في سورية.
مفارقة أخرى سجلها كيري خلال مشاركته في مؤتمر روما وهي تنصيب نفسه ودولته صديقا للشعب السوري في حين أعطى لنفسه الحق في اختصار واستباق مسار الديمقراطية والتصويت وصناديق الاقتراع في سورية ليعلن أن حفنة العملاء والمرتزقة المنضوين ضمن مجلس الدوحة هم «الممثلون الشرعيون الوحيدون» للشعب السوري، فماذا عن الشعب السوري الذي يقف مع قيادته ويحمي مؤسساته ويصطف خلف جيشه البطل وهو يصارع ويصرع الإرهابيين ويطهر الأرض من رجسهم، أليس لهؤلاء وزن وحضور وممثلون أم أنهم غير موجودين ليأتي كيري من وراء البحار ليشطبهم من المعادلة بخطاب أجوف وتصريحات استفزازية تسهم بزيادة التأزيم والعنف وتصب الزيت على النار..!!
وفي هذا الصدد انعكست الطاقة السلبية التي حملها كيري لهذا المؤتمر الهجين ولغة التحريض التي نطق بها حمقا ولؤما على ألسنة شراذم المعارضة المجتمعة في روما ليخرج معاذ الخطيب داعية الحوار المزعوم ويرجم الحوار والحل السياسي ويشترط ما طاب له من الشروط التي لا يقبلها الشعب السوري، حيث طالب علناً بتدخل خارجي في سورية تحت عنوان الممرات الإنسانية الآمنة، وكان لافتا إيراده للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة في معرض هذيانه وهو الفصل الذي يسمح للقوى الطامعة بالتدخل وفرض أجندتها في أي بلد من البلدان..
لكن في المقابل كانت موسكو التي زارها السيد وزير الخارجية وليد المعلم قبل أيام وأطلعها على مصداقية وقوة الموقف السوري كانت بالمرصاد لكل الدعوات المشبوهة التي يحملها كيري وأدواته الإقليمية والمستعربة، حيث نجح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في لي ذراع حفيد غورو «فرانسوا هولاند» وإقناعه بضرورة الحوار كمدخل لحل الأزمة السورية، وبدل اللازمة الفارغة التي درج عليها هولاند طيلة عام حول «الأيام المعدودة» سمعناه يقول بالحوار بين كل الأطراف السورية ومنع الجماعات الراديكالية التي يحارب مثيلاتها في مالي من الاستقواء بالسلاح الغربي والتمتع بالدعم السياسي والمادي لإثارة العنف والإرهاب في عموم المنطقة والعالم.
لقد برهنت الساعات الأخيرة مرة جديدة أن شراذم المعارضة السورية في الخارج هم مجرد ألعوبة في يد الولايات المتحدة، فخلال أيام قليلة تغير موقف هذه المعارضة من مقاطعة مؤتمر روما وإلغاء زيارة واشنطن إلى الارتماء في أحضان الولايات المتحدة، ولم تدرك بعد هذه المعارضة أنها مجرد ورقة لعب في يد القوى الغربية الطامعة وستحترق حالما انتهى دورها ومهمتها، وقد أنيط بها مهمة تدمير سورية وإضعافها بأي ثمن.. ولو كان لديها أدنى درجة من الانتماء لهذا الوطن لما ارتضت أن تكون أميركا ـ حليفة الكيان الصهيوني ـ في عداد اصدقاء الشعب السوري.