هنا نسمع كلاماً خافتاً من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن سلام وهناك مطالبة بحكومة ائتلافية من أجل استئناف المفاوضات , إضافة إلى الزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي إلى إسرائيل . وكل ذلك يترافق مع تردي وتفاقم مخاطر الأوضاع التي تشهدها المناطق الفلسطينية والتي تعتبر مؤشراً خطيراً عن إمكانية انفجار الوضع والاقتراب من نشوب انتفاضة ثالثة أشد خطورة من سابقاتها . ولابد عند تشكيل أي حكومة ائتلافية أن تبحث حكومة نتنياهو عن طريقة ما لاستئناف المحادثات مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بسبب الضغط الدولي والغليان الداخلي , اللذين لا بد أن يفضيا إلى طريق المفاوضات.
والسؤال المطروح هنا بقوة : في حال افترضنا استئناف عملية المفاوضات , عن أي سلام سوف يتحدثون ؟ حيث صيغة (السلام مقابل الأرض ) المعروفة أكل وشرب عليها الدهر وباتت بعيدة كل البعد عن التطبيق , نظراً لمعارضة نتنياهو التخلي عن أي أرض , متذرعاً بأن أي أرض سوف تخليها إسرائيل سوف تتحول إلى ( قاعدة ) انطلاق للإرهاب ( الإيراني ) هذا بالإضافة إلى إصراره على بقاء الجيش الإسرائيلي مسيطراً على الحدود البرية للفلسطينيين .
وما يعزز في موقفه في عدم الانجرار خلف أي مخاطرة هو تقلبات الأوضاع في الدول العربية التي شهدت ( ربيعاً ) وكذلك خطر انهيار النظام الأردني . من جهة أخرى , لا يبدو خيار إخلاء المستوطنات بالنسبة لرئيس الوزراء كمخرج للأزمة خياراً سهلاً , نظراً لأن تشكيلته الحكومية ستعترض على ذلك ولا سيما أعضاء حزبه , ولن يبدي الفلسطينيون حماسة لذلك . وإنما سيخطو نتنياهو هذا الطريق في حال أملته عليه الحكومة الأميركية , كما أملته على سلفه أرييل شارون عام 2003 , ليعلن على إثرها فك الارتباط مع قطاع غزة . وفي ضوء ذلك , أي لا انسحابات من الأراضي الفلسطينية ولا إخلاءات لمستوطنات, ماذا بقي لدينا ؟ بالتأكيد يبقى شيء واحد هو التفاوض على اعتراف إسرائيلي وأميركي بالدولة الفلسطينية التي أعلنتها الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة العام الماضي , وهي صيغة تعني قبول دولة فلسطينية مستقلة وطرف مفاوض في محادثات مستقبلية لإيجاد تسوية بين الطرفين , وأيضاً تمكين رئيس الوزراء نتنياهو والرئيس الأميركي اوباما من الحديث عن كلام لا عن أرض . وهذا التفاوض الرامي إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية سوف يمنح نتنياهو وقتاً يعمل فيه بهدوء وروية لتخليص إسرائيل من عزلتها الدولية . أما محمود عباس, سوف يحظى بانجاز باعتباره أول رئيس لفلسطين المستقلة .
ومن جهته سيكون هناك معنى ومضمون لجائزة نوبل للسلام التي حصل عليها اوباما . وسيدرك الأوروبيون أن الولايات المتحدة قد سارت على الطريق الذي مهدوه لها مسبقاً , وسيغضب شركاء نتنياهو من دون أن ينحوه عن السلطة . ومن خلال التمعن بموقف نتنياهو نستنتج أن معارضته للإعلان عن الدولة الفلسطينية في الجمعية العامة لم يكن جوهرياً , سيما وأنه كرر منذ بضعة أيام التزامه بخطاب بار ايلان الداعي إلى إقامة ( دولتان لشعبين - دولة فلسطينية منزوعة السلاح تعترف بالدولة اليهودية ) وهو لا يرى غضاضة في الوصول إلى هذه النتيجة من خلال المفاوضات لا بفرضه عليه دولياً .
وبهذا يستطيع نتنياهو أن يثبت أنه رجل وفى بوعده في بار ايلان . ولكن بالمقابل سيطالب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالحصول على تعويض عن هذا الإجراء البطولي ولا بد أن يكون هذا التعويض هو مبادرة واشنطن باتخاذ خطوة ضد إيران وموافقة فلسطينية على عدم إدعاء فلسطين على إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية . وبالمقابل سيواجه هذا بطلب تجميد المستوطنات , والذي سيواجهه نتنياهو رفضاً بالمعروف عبر اقتراح تعليق طلبه القاضي باعتراف فلسطيني بإسرائيل على أنها ( دولة يهودية ) أي بمعنى عائق مقابل عائق.
وضمن هذا السياق , سيكون صعباً على محمود عباس رفض إجراء مباحثات خاصة للاعتراف بدولة فلسطين مع تأجيل كل القضايا الأخرى مثل الحدود والأرض والقدس وقضية اللاجئين , لأنه اتجه نحو الأمم المتحدة لانتزاع الاعتراف بدولة فلسطينية دون حدود محددة , وبالتالي سيجد صعوبة في تبرير سبب طلبه للحصول على أكثر من ذلك الآن , وسيرد عليه نتنياهو واوباما بأنهما ينفذان طلبه . ولكن نقاط ضعف عديدة تحيط في هذا الاقتراح . لأنه لن يغير بالوضع القائم على الأرض . بل ستنشأ ( دولة فلسطينية ) في عدد من الجيوب المحاطة بالجيش الإسرائيلي وبالمستوطنات , وبالتالي سوف يستمر الصراع بكل قوته . ولكن الاعتراف الإسرائيلي بدولة فلسطينية في الوقت الحالي سيمنح جميع المشاركين فيه مخرجاً مريحاً وسيمنح كل من نتنياهو وعباس تركة مشتركة .