تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بين الاقتصاد والسياسة وجاهلية بعض العرب

اقتصاد عربي دولي
الأحد 3-3-2013
بقلم د . قحطان السيوفي

ثمة سؤال يشغل بال المهتمين بالشأن العام , اقتصاداً وسياسة , ويتعلق بحدود العلاقة التفاعلية, وتلازم المسار بينهما باتجاهات متوازية , أو متقاطعة , أو متعاكسة  ؟

 إن الصراعات  والمتغيرات والتطورات التي مرَ ويمر بها المجتمع البشري عبر التاريخ , تشير - عادةً – إلى نتائج مُلتبسَة , لايمكن معها , أحياناً , الجزم  ما إذا كان الاقتصاد في المقدمة  أم السياسة ! !  يبدو أحياناً أن السياسة تلهث جرياً لخدمة الاقتصاد بهدف تحقيق برامج النمو والازدهار , وأحياناً قد يحصل ما هو عكس ذلك بحيث يسير الاقتصاد بأدواته وآلياته الضعيفة وراء مَدحلة السياسة ... وتحدث مثل هذه الحالة عادة عندما تطغى الهيمنة الأيديولوجية ؛ سواء كانت تأخذ بالنهج الرأسمالي الليبرالي أو غيره ... متى يتواجه الاقتصاد مع السياسة ؟ أحياناً عندما تفشل الآليات السياسية في خلق اقتصاد واضح الصورة والهدف... أو عندما لاتنجح الآليات الاقتصادية في وضع العقل والفعل الاقتصادي قريباً من السياسة , وهذا قد يؤدي إلى نتائج سلبية  فإما أن يؤدي إلى انهيار النظام ككل كما حدث في الاتحاد السوفييتي  السابق, حيث أدت الأدلجة المتطرفة الشمولية لإزاحة الحافز الفردي , والإنساني ...وحُسمت لمصلحة الاقتصاد وها هي روسيا القوية اليوم تعيد ترتيب أولوياتها لتلازم مساري الاقتصاد والسياسة . والاحتمال الآخر أن يغرق النظام في أزمة اقتصادية كما هو الحال في الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية المستمرة منذ عام 2008 في الولايات المتحدة , وأوروبا الغربية , وقد عملت الاقتصادات الرأسمالية على استثمار مقولات الاشتراكية المتطرفة في محاولة لتأهيل آليات الاقتصاد الرأسمالي بأساليب أشبه بالتهجين وذلك بحجة إبعاد الاحتكار والهيمنة , وكنوع من المقاربة العملية أسند من خلالها للاتحادات والنقابات أدواراً تبدو ظاهرياً وكأنها تصب في مصلحة العمال وأصحاب العمل , وهذا ما يحدث في أمريكا وأوروبا ...وذلك في إطار المحاولات للخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية ... بالمقابل نجد في الصين أن الحزب الشيوعي الحاكم استطاع التوفيق بين الايديولوجيا الاشتراكية وآليات اقتصاد السوق ...ليصبح الاقتصاد الصيني أكبر اقتصاد مُصدر في العالم , وثاني اقتصاد عالمي من حيث الحجم ....أما في العالم العربي وعلى مدار أكثر من نصف قرن يلاحظ أن سِمة الالتباس والتخبط في العلاقة بين الاقتصاد والسياسة . ,المشهد التنموي الاقتصادي العربي يشير إلى نتائج متواضعة وزهيدة جداً ومخرجاتها يغلب عليها الطابع الشكلي الديكوري ... استنزاف  وتبديد  للثروات الطبيعية والبشرية  وسط حالات من التخبط والرياء في الإجراءات والقرارات التي غالباً تأخذ البعد الدعائي السياسي , لصالح الارتهان الخارجي , وغياب الرؤية الواضحة والصحيحة ...معظم اقتصادات الدول العربية لم تستطع رسم طرق خاصة بها , ولا استفادت من تجارب الأمم الأخرى ...دول تملك الثروات الباطنية (النفط , والغاز) تبُدِد معظم هذه الثروات في أوهام  دانكيشوتيه ذات طابع جاهلي  ...وتصب نتائجها في المصالح الضيقة للحكام , وخدمة مصالح القوى الغربية ... ودول عربية أخرى تملك  ثروات بشرية ...شهدت بعضها حركات شعبية سُميت بالربيع العربي بدون رؤى سياسية ,واقتصادية واضحة لتتحول لاحقاً إلى تخبط سياسي وتسلط قوى تصر على التمسك بسحر الماضي الأقرب إلى مفاهيم  الفكر الجاهلي ألظلامي الذي ليس فيه للاقتصاد والسياسة أي رؤية تتناسب وروح العصر  وتحول الربيع إلى  خريف رمادي ... إن معظم الدول العربية بحاجة لرؤية اقتصادية وسياسية عصرية تضع حداً لعبث المتحكمين بالثروات العربية وعودة القابضين على الثروات العربية إلى رشدهم في إطار خطط وبرامج تتكامل فيه الثروات الطبيعية , والبشرية  ويتفاعل فيها الاقتصاد والسياسة  في العالم العربي بما ينسجم مع المفاهيم المتنورة وروح العصر ويحقق المصالح الوطنية والقومية للمواطنين في العالم العربي,  بعيداً عن الرؤى والمفاهيم  الجاهلية ....  وباتجاه العمل العربي المتكامل لصالح مستقبل الأجيال العربية القادمة .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية