تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بين التهاون و الصرامة .. ضوابط و شروط لعقاب الأطفال

مجتمع
الجمعة 31-1-2014
منال السمّاك

في عقاب الأطفال كأسلوب تربوي لتقويم السلوك تختلف الآراء فقد يلجأ البعض إلى الضرب كآخر الحلول،بينما يعارض آخرون تلك الفكرة و يحاولون عقاب الطفل بالحرمان أو المقاطعة في محاولة لرسم حدود فاصلة

بين المقبول و المرفوض أو لردعه عن سلوكيات خاطئة أو لحضه على الامتثال لقوانين المجتمع و أعرافه و عدم تجاوزها ..‏

أنواع كثيرة للعقاب يلجأ إليها الأهل و المربون، ويختلفون في مدى قدرتها على تعديل السلوك دون الإساءة لنفسية الطفل أو تكوين ردات فعل سلبية،بين الضرب أو التوبيخ أو النقد و اللوم، ترى أم فادي ( أم لطفلين ) أنه مهما حاول الأهل تجنب الضرب إلا أن هناك الكثير من المواقف التي تستدعي اللجوء إليه لردع الطفل عن التمرد أو التمادي .‏

بينما ترى أم مالك ( أم لبنتين و ولد ) أن الضرب في حال تكرار يفقد جدواه و يعتاد الطفل عليه دون أن نستفيد في منعه عن التصرفات الخاطئة،لذلك من الأجدى اللجوء إلى الحوار أو حرمانه من بعض الأشياء المحببة كعقاب له حتى يستجيب لأوامر الأهل أو مدرسيه في المدرسة،على ألا نضع الطفل موضع سخرية و تهكم أمام الآخرين .‏

فما هي أساليب العقاب و آثارها النفسية على الطفل ؟‏

التطبيع الاجتماعي‏

يرى بعض المربين أن العقاب ضروري من أجل عملية التطبيع الاجتماعي،و هو إنزال إجراء غير سار على الطفل بغية تغيير سلوكه أو تحسينه و الابتعاد عن الأعمال غير المرغوب فيها من قبل الأهل و المجتمع،كما يعين للأطفال الحدود التي عليهم ألا يتجاوزوها .‏

فالعقوبات الجسدية لا تزال مثار خلاف بين علماء التربية و هي بين مؤيد و معارض،فالمؤيدون يرون فيها نتائج إيجابية ملموسة و خاصة في الإقلاع عن السلوك المرفوض،و رأي المعارضين أنها تذل كرامة الإنسان وتميت روح الإبداع .‏

و للاختصاصي (ألن فروم ) وجهة نظر هامة في موضوع العقاب الجسدي،حيث يرى أنك إذا قمت بضرب الطفل فسيخافك و يكرهك،و سيتعلم الطاعة العمياء عوضاً عن فهم المعايير الأخلاقية و تقبلها،و التعبير عن المزاج السيئ أثناء الضرب يعطي الطفل مثالاً سيئاً لتقليده،كما أن استخدام الضرب القاسي يشكل أدنى التقنيات التربوية مهارة و أصالة،و يثبت الضرب السلوك السيئ للطفل أكثر مما يعمل على إزالته،بينما هدف الانضباط هو تعديل الرغبات و ليس تعديل السلوك .‏

نتائج عكسية‏

و ترى الاختصاصية التربوية ثناء سليمان أن بعض العقوبات النفسية كالنقد و اللوم و التقريع قد تأتي بنتائج عكسية،و هي أحكام سلبية على ما قاله الطفل أو قام به،و إشارة موحية إلى أننا غير راضين عما قام به،و هذا يضع حداً لتفكير الطفل حول الموضوع الذي يفكر فيه أو السؤال الذي يحاول الإجابة عنه،و قد تحمل ردود الافعال السلبية هذه معنى السخرية و التهكم حين نقول ( يا لها من فكرة تافهة،من أين أتيت بهذه الأفكار المبدعة ؟ )،فالنقد و التقريع لا يساعدان على رفع مستوى الإنجاز أو التعلم عند الطفل،و إنما يخلق اتجاهات سلبية قد يدوم أثرها إذا ما تكررت و تكون عامل إحباط عند الطفل،و هذا النمط في التربية ليس أسلوباً مناسباً لمعالجة المشاكل و بخاصة فيما يتعلق بالتحصيل الأكاديمي و إنما يفقد الطفل ثقته بنفسه و يعمل على خلق صورة ضعيفة عن الذات،و غالباً ما تكون أشد إيلاماً من العقوبة الجسدية،و الإفراط في هذه العقوبة يأتي بنتائج عكسية و تفقد قيمتها و تخلق حالة عصبية عند الطفل .‏

و قد يلجأ البعض لعزل الطفل المذنب في غرفة،و لكن يحذر هنا أن تكون الغرفة مظلمة و مخيفة،حتى لا يخاف و نتسبب له بمشكلات نفسية،أو مقاطعة الطفل كلامياً بعدم الحديث معه أو إشراكه بالأحاديث و لهذه الطريقة محاذيرها لأن الطفل قد يفكر بأنه مكروه و مرفوض من قبل الأهل،أو حرمانه مؤقتاً مما يحب مثل النقود أو الحلوى،و هنا يجب أن يكون الحرمان لفترة محددة حتى لا يلجأ للسرقة،و يرى بعض العلماء أن المزج بين العقاب الجسدي و النفسي يؤدي إلى نتائج أفضل و يعود الأطفال على الانضباط و الواقعية .‏

الضمير الأخلاقي‏

و تلفت سليمان أن العقاب يكوِّن في الأطفال الشخصية الإنسانية المتسمة بالخوف و الرعب و الإرهاب و الجبن و الكبت و قتل الجمال و الإبداع و التجديد و عدم الإحساس بالأمان و الشعور بالطمأنينة و التوتر العصبي و غيرها من الأمراض النفسية و العقلية،كما يتسبب بالأمراض الاجتماعية من سلوك عام كالسرقة و الغربة و عدم الانتماء و الافتقاد للقدوة الحسنة من المربين،فضلاً عن أن التلميذ الذي يتعرض للعقاب في المدرسة يكره معلمه و مادته العلمية .‏

و إذا كان العقاب أحد الأسس الهامة في التنشئة الاجتماعية فإن له ضوابط و أسساً معينة حتى يكون فعالاً و لا يؤدي إلى آثار سلبية،حيث يجب أن يتماشى مع الفعل المنحرف و يتناسب معه،فلا يكون صارماً أو متهاوناً،و يفضل أن يسبق العقاب إنذار به لإتاحة الفرصة للطفل كي يراجع نفسه و يستفيد من أخطائه،و يجب أن يتلو العقاب اقتراف الذنب مباشرة حتى يبلغ أقصاه و لا يضعف أثره بطول الفترة بينه و بين السلوك المنحرف،و لا يجرح الكبرياء و لا يخدش الحياء حتى لا تتولد الكراهية و الشعور بالنقص و فقد الثقة بالذات،و لا يكون العقاب أمام أغراب،و عدم الإسراف في العقاب حتى لا تذهب قيمته و يصل الطفل إلى مرحلة لا يميز بين الأعمال التي يعاقب عليها دون غيرها،و عدم التهديد المستمر دون عقاب لأنه يشعر الطفل باللامبالاة و عدم الاكتراث،و يجب أن يعلم الصغير سبب عقابه ليستفيد من أخطائه،و عندما نعاقب علينا الالتزام بالهدوء و عدم تهديد الطفل بأمور لا يمكننا تنفيذها كي لا تفقد التهديدات تأثيرها،و يجب مراعاة الفروق الفردية و الحالة الوجدانية،لأن أبرز أهداف العقاب التربوي هو تكوين الضمير الأخلاقي و خلق الرادع الداخلي الوجداني عند الطفل لتجنب الخطأ لأنه خطأ لا لأنه يؤدي إلى عقوبة .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية