فرق كبير بين من يأتي أرض الحضارة والتاريخ كارهاً شانئاً قالياً، ويقف على عتباتها ليفجر حقده في شوارعها وعلى بواباتها التي لم تغلق يوماً في وجه الأشقاء ولا حتى الغرباء, ومن يأتيها محباً عاشقاً حتى الموت.. ذاك كان حال أميمة سلمى كريشان الصحفية التونسية التي جاءت سورية زائرة ضمن وفد من الصحفيين والناشطين في مجال حقوق الإنسان, رغم ماسمعته من أنها غدت بلداً يغادر فيه المواطن بيته دون أن يكون متأكداً من العودة.. لكنها أيضاً كانت تدرك من خلال الصحافة البديلة حجم التضليل الذي يدور فيها, وتعرف في الوقت نفسه بأن هناك مجموعات إرهابية مسلحة تزرع الموت والرعب في المدن والقرى السورية.
الرحلة بالنسبة لها كانت بمثابة العودة للجذور إلى المدينة العتيقة التي تغفو على كتف بردى, وأثناء وجودها بين جنباتها لم تر سوى شعب يتميز بالفخر والكرم, فدمشق كما شاهدتها بعيون تونسية ليست تاريخاً ومعماراً خلاباً فقط, إنما مدينة تحلو فيها الحياة فرغم كل ما تعيشه من أزمات وتهديدات تتأصل في المجتمع السوري روح النضال حيث يرفض الرضوخ والخوف, وقد شهدت التفجيرات الأخيرة في دمشق وسارعت للتبرع بدمها للجرحى والمصابين مؤكدة أن رباط الأخوة لاأحد يستطيع فكه حتى « ثوار الناتو», أو الكيان الصهيوني جلاد شعبنا الفلسطيني, ودهشت حين رأت السوريين يتقاطرون للتبرع بدمائهم لإخوانهم في حين يتم بيع الدم في دول أخرى أومقايضته بوجبة فطور.
انتهت الزيارة وغادرت الإعلامية التونسية دمشق, لكن الخوف والخشية على سورية لم يغادراها وبقي الأمل في أن تتجاوز محنتها فحتى الأطفال يتقنون فيها لفظ الصمود.
هكذا كانت سورية بشهادة كل من وطئ أرضها « فأشلاؤنا لاتموت وإنما هي بداية جديدة للحياة, أما الغادرون والمتآمرون فهم عابرون زائلون ونحن أرواح باقية.