وأن هذا «الأحد» خلق له أنثى وزوجهما في وسط من القبح واللؤم لينجبا مسوخا ويملؤون الكون شرا.
لو كانت الكاتبة الانكليزية ماري شيلي حية حتى الآن لما أنهت روايتها بموت المسخ بل طلبت من الطالب الطبيب السويسري أن يخلق له امرأة، لأن مايحدث اليوم في عالمنا يستدعي الكاتبة وبطلها لتغيير النهايات والعبث ببعض التفاصيل التي أودت بالكون إلى ماهو عليه الآن.
الرواية التي كتبت عام 1818انتبهت السينما لها وبدأت بإنتاج الأفلام وتصنيفها ضمن سلسلة أفلام الرعب، لكنه لايحمل رعباً بقدر مايحمل من معان وآفاق.
في إحدى الليالي اذ كانت ماري وزوجها الشاعر شيلي ورفيقهما اللورد بايرون يقيمون في سويسرا، تغير الجو فجأة وأصبح عاصفا حيث إنهم لم يعودوا قادرين على الخروج من المنزل وعلى سبيل التسلية اقترح بايرون أن يكتب كل شخص رواية رعب، لم تكن ماري قادرة على الكتابة وقتها، وتقول الروايات أنها رأت في حلمها حلما يشبه الكابوس ولم تشأ أن يبقى هذا الكابوس حبيسا بداخلها فنشرته وكانت رواية فرانكشتاين التي تروي فكرة فانتازية تقول باختراع أحد الطلبة العباقرة انسانا وحشا من خلال تجميعه لأجزاء الموتى من المشافي وتركيبها وبث الطاقة الكهربائية فيها وبعثها للحياة، لكن بعد فترة بدأ ذلك الوحش يقتل أعز الناس إلى قلب مخترعه لأنه لم يخلق له امرأة تؤانسه في حياته ولم يحببه إلى المجتمع، وبعد عدة جرائم ينفذها مات فرانكشتاين والوحش يتابعه في كل مكان إلى أن وجده ميتا فوقف جانب سريره وهو يبدي ندمه قائلا: لاتقلق لقد انتهت جرائمي لن أقوم بأي أشياء شريرة، خلقتني وأرسلتني الى العالم بدون حب، الكل كرهني لذا تعلمت ان أكون شريرا، قتلت كل شي تحبه وذلك انتقامي والآن أنت ميت ويجب أن أموت في أبعد مكان ممكن، وأعاد النقاد فكرة الرواية الى خيال واسع للكاتبة.
إضافة إلى تأويلاتهم في أن الكاتبة عانت من فقدان الحب والحنان نتيجة موت والدتها التي توفيت اثر ولادتها لذلك كانت الرواية مشبعة بالخوف وتراكم الأحزان.
وبعد ثلاثة قرون ظهر في بغداد في عام 2014 كتب أحمد سعداوي رواية فرانكشتاين في بغداد حيث اكتشف أن هذا الوحش الذي قام بخلقه فرانكشتاين هو ذاته بائع الخردة الذي يمشي في شوارع بغداد لكن الحرب أوقدت في ذهنه فكرة أخرى حيث بدأ بلملمة أشلاء من جثث الموتى المنتشرين في الشوارع دون أن يتذكر أحد «أن اكرام الميت دفنه» لكن لأن أحدا لم يبق ليدفن هؤلاء فقد بدأ بطل الرواية هادي العتاك (وهي الشخصية التي عارضت فرانكشتاين في رواية الروائية الانكليزية شيلي)، بجمع بقايا جثث ضحايا التفجيرات الإرهابية خلال شتاء 2005، ليقوم بلصق هذه الأجزاء فينتج كائناً بشرياً غريباً، سرعان ما ينهض ليقوم بعملية ثأر وانتقام واسعة من المجرمين الذي قتلوا أجزاءه التي يتكوّن منها.
يسرد هادي الحكاية على زبائن مقهى أحد المقاهي في بغداد فيضحكون منها ويرون أنها حكاية مثيرة وطريفة ولكنها غير حقيقية، وتبدأ مهمة هذه الأشلاء بتنفيذ خطتها وهي الانتقام ممن فعل بأجزائه ما فعل مهمته تبدو بداية سهلة لتزداد صعوبة مع تزايد الانفجارات فتمتد مهمته زمنيا مما يجعله يواجه مشكلة تعفن أطرافه فيسعى إلى اقتناء أطراف جديدة فيختلط البريء بالمذنب الجلاد بالضحية في جسده مما يتشتت فكره ورؤيته للأمور، يبدو الشسمة وهي «التسمية التي أطلقها هادي العتاك على شخصيته» مكلفا بإعادة لم شتات العراق بكل أطيافه, الباكي على اندثار نورها وألقها و المنتقم و بقسوة ممن شوه جمالها, ليس سوى بغداد ذاتها الناقمة، لم يستطع أحد أن يكتشف هويته لأنه ببساطة هوية كل عراقي ساكن في ذات كل عراقي هو ذلك المسخ الذي يجول بذواتهم يحاول أن يكنس الظلمة من أنفسهم و يرتقي بهم ليفهموا اللعبة القذرة التي حاكها العالم ضدهم -وهذا ماذكرته مدونة اقرأ في ترشيحها الرواية لجائزة البوكر العربية قبل نيلها -.
هل فرانكشتاين في سورية ؟.. فلو أجرينا استبيانا حول هذا السؤال ماذا تتوقعون، هل هناك من صنع مسخا واستنسخ منه أعدادا هائلة ونشرهم بين الناس في سورية وحتم عليه فترة زمنية محددة ليقتل ويسبي وباسم «الله أكبر» يقدم الذبيحة ؟ من المؤكد أن الطرح من حمى الخيال ومن حمى النار والدماء التي سفكت فلا يوجد وحش مشوه ولايستطيع أحدا-غير الله - خلق كائن حتى لو كان مسخا ومخيفا.
نال الكاتب أحمد سعداوي جائزة البوكر للرواية العربية عام 2014عن روايته المستقاة من الرواية الانكليزية مع فارق السرد والتفاصيل أما النهايات فيبدو أن الكاتبين اتفقا على أنه لايوجد وحش غير ذلك المختبر الداخلي للانسان وبالنتيجة هذا الوحش يريد راحة البال ويريد حياة مستقرة وماعمله الا ثأر وانتقام ممن خلقه دون أن يضعه في سوية البشر وماهذا الوحش غير الشر الذي تجسد على واقع الوطن خرابا وعاث تدميرا فيه وغدا سيصحو الوطن ولن تختفي منه الوحوش لكنها تتحين الفرص. فعسانا لانمنحها أي فرصة.