لأن إسرائيل تعتبر أن كل عملياتها دفاعية وأنه ليس هناك أي عمليات هجومية على الإطلاق بما في ذلك هجومها وتدميرها للبنان خلال تموز-آب ,2006ولسنا بحاجة إلى أن نعيد القسمات الأساسية لهذا القرار بالظروف التي أدت إلى صدوره بهذا الشكل المعيب ولكن الواقع هو أن القرار صدر بهذه الطريقة بينما كان الجدل بين الفرقاء في لبنان يعالج قبل العدوان الإسرائيلي قضية سلاح حزب الله ولذلك تم النظر إلى هذا العدوان الإسرائيلي على أنه محاولة لتنفيذ ما عجز الحوار عن تسويته وهو نزع سلاح حزب الله بالقوة وعن طريق إسرائيل فلما لم تتمكن إسرائيل من ذلك أسند القرار هذه المهمة إلى القوات الدولية وتحدث مطولا عن هذا السلاح في أوضاع متفرقة منها أنه سلاح محظور تستخدمه ميليشيات محظورة على المستوى الدولي وإن كانت مشروعة على المستوى الداخلي وأن هذا السلاح يستخدم ضد إسرائيل ولم يكترث الفريق الآخر في لبنان ولا المجتمع الدولي بما أكده حزب الله من أن سلاحه لن يوجه إلى الداخل وكأن هذا المجتمع الدولي يتمنى أن يوجه للداخل وألا يوجه إلى إسرائيل حتى تتمكن إسرائيل من التحرك بحرية في لبنان.
وبصرف النظر عما أشار إليه السيد حسن نصر الله من أن سلاح الحزب سلاح مقاومة وليس جزءا من الصراع الداخلي وإشارته إلى أن هناك مؤامرة اشتركت فيها أطراف لبنانية من إسرائيل لإنهاء الحزب وسلاحه في الوقت الذي يعجز فيه الجيش اللبناني عن الدفاع عن لبنان فإن الثابت أن قرار مجلس الأمن قد قصد به أن يؤدي إلى تغيير الساحة اللبنانية من جديد.
ذلك أن الحكومة تمسكت بأن القرار يمثل الشرعية الدولية وأن عدم احترام القرار خاصة في الجزء المتعلق بحظر وصول السلاح إلى حزب الله ثم نزع السلاح في مرحلة لاحقة سوف يدفع المجتمع الدولي إلى إغفال الحكومة اللبنانية والعمل مباشرة ضد الحزب دون المرور على الحكومة اللبنانية مع ملاحظة أن هذا القرار قد حمل حزب الله المسؤولية الكاملة عن العدوان الإسرائيلي وعن تدمير لبنان ما أعطى ورقة كبيرة في يد الحكومة ضد الحزب.
هذه الإشكالية التي تفرق بين موقف الحزب وموقف الحكومة من قضية السلاح تتقاطع تقاطعا حادا مع القرار 1701كما نرى فإن تمسكت الحكومة بالقرار في مواجهة الحزب فإن ذلك يضعف فرص الاتفاق على القضايا الأخرى بين الحزب والحكومة,ورغم أن هذا الجدل يبدو للمراقب الخارجي غير محكوم ويتسم بالسطحية إلا أنه يقع في عمق الأزمة اللبنانية في أجندات متقاطعة داخل لبنان ومن الواضح أن حزب الله حزب مقاوم وأنه مستهدف لهذا السبب من جانب إسرائيل وأن تسليح الحزب واستعداده هو قضية وطنية يجب أن يساهم فيها كل اللبنانيين ويرى الحزب أن القرار 1701 قرار ظالم فرض على اللبنانيين وأن شعور جانب من الشعب اللبناني بالإنصاف من خلال هذا القرار هو تغليب للنظرة الحزبية الضيقة على النظرة الوطنية الأوسع لأن نزع سلاح الحزب لن يسعد سوى إسرائيل ولن يفيد الأطراف اللبنانية الأخرى بل على العكس سيعرض لبنان كله للعدوان الإسرائيلي دون مقاومة.
وهكذا يمكن أن نفهم في هذا السياق إعلان الحكومة اللبنانية يوم8 /2/2007عن ضبط شحنة من الأسلحة قادمة من البقاع وأن التحقيق يجري لمعرفة ملابساتها والجهة التي تقصدها والدولة التي وردت منها ولا شك أن هذا الإعلان يسعد إسرائيل والأمم المتحدة على أساس أنه تطبيق حازم لقرار مجلس الأمن.
في هذا الإطار لا بد من أن المراقبة الخارجية نظرت إلى مطالبة حزب الله باستيراد الأسلحة وأن الحزب يرى مشروعية كاملة في ذلك,وهو ما يتقاطع كما ذكرنا مع مفهوم الحكومة للحظر المفروض على الحزب وفقا للقرار.1701
لا شك أيضا أن بعض المراقبين الأجانب يعجبون من أن الحزب يجاهز بأنه ينتهك القرار 1701 بينما يجب وفقا لنظرتهم أن يتستر على مثل هذه المخالفات وألا يتمسك باستعادة الشحنة مقابل عدم اتخاذ إجراء رسمي ضد محاولات تهريب السلاح.
ونظرا لأن الأوراق قد اختلطت في العالم العربي بين الحابل والنابل واشتبه على المواطن الفرق بين الذئب والحمل وبين الصالح والطالح فإن المراقب الخارجي لا يجد مشكلة في أن يرى أن تهريب السلاح إلى حزب الله في لبنان يماثل تماما تهريب السلاح إلى المقاومة الفلسطينية في فلسطين وتهريب السلاح إلى المقاومة الفلسطينية في فلسطين وتهريب السلاح إلى المقاومة العراقية في العراق لسبب بسيط وهو أن هذه الوحدات الثلاث: المقاومة وحماس وحزب الله في نظر المراقب الخارجي وفي الوثائق الدولية منظمات إرهابية وأنه لا يجوز أن تزود هذه المنظمات الإرهابية بالأسلحة لأن عدم شرعية هذه المنظمات يجعل كل تصرف يهدف إلى تقويتها عملا إجراميا.
وهكذا نرى أن القرار 1701 وكما كان متوقعا سوف يؤدي تطبيقه إلى تحميل الساحة اللبنانية بالمزيد من الضغوط وأسباب الشقاق التي هي في غنى عنها,ولكن قضية السلاح هي أدق هذه القضايا ولو فرضنا أن حزب الله اقتنع بأن سلاحه لم يعد له وظيفة وأن إسرائيل انسحبت من مزارع شبعا وأن الجيش اللبناني قد أصبح قادرا على الدفاع عن لبنان فهل يؤدي ذلك إلى تجاوب الحكومة مع طلبات المعارضة وهل يؤدي ذلك أيضا إلى أن يصبح القرار 1701 أداة لتسوية الأزمة اللبنانية في الداخل بل يصبح هذا القرار بلا معنى مادام الجزء الأكبر منه المتعلق بحزب الله قد أصبح غير ذي موضوع.
ليس سرا أن القرار 1701 كان على رأس جدول أعمال الحوار الوطني اللبناني ولكن التناقض في المواقف اللبنانية على النحو الذي أوضحناه كان من أسباب تعثر هذا الحوار وتفتتت المواقف ثم تصاعد الصراع بين الفريقين وهل تصدي الجيش اللبناني لمحاولة توغل إسرائيلية في منطقة مارون الراس والإعلان عن شحنة الأسلحة في نفس الوقت يمكن أن يوحي بارتباط بين الحدثين?.
علمتنا الحوادث في هذه المنطقة أن هناك فرقا بين وقوع الحادثة وبين توقيت الإعلان عنها ولذلك نظن أن الإعلان عن ضبط شحنة سلاح لحزب الله في نفس الوقت الذي أعلن فيه أن لبنان كله قد ابتهج وشعر بالفخر لتصدي جيشه للعدوان الإسرائيلي يعني أن السلاح الوحيد المشروع هو سلاح الجيش مادام مؤسسة وطنية تذود عن لبنان وأن السلاح المهرب لحزب الله ليس له مكان في الحسابات اللبنانية مادام المطلوب هو تقوية الدولة اللبنانية وجيشها حتى تتسلم مهمة الدفاع عن سيادة الوطن وسلامة أراضيه.
أستاذ القانون الدولي/القاهرة*