قلما تجرأ أحد ليتكلم عنه جهاراً .. لما فيه من إرباك له من جهة .. وللمعنيين به من جهة أخرى ... ألا وهو : دار المسنين .!
فقد كتب الأستاذ فاروق حيدر مشكوراً تمثيلية في غاية الشفافية .. تتحدث عن رجل متقدم في العمر, آثر أن يقطن في دار للمسنين بعد رحيل زوجته كي لا يبقى وحيداً , بل ينعم برفقة من هم في جيله من كبار العمر والقدر .. ويضع نفسه تحت رعاية طبية دائمة .. وإشراف ذوي الخبرة بمتطلبات من هم في أعمار آبائنا .. وأجدادنا المبجلين ......!
لكن هذا الرجل الذي اتخذ قراره بكل قناعة وبساطة .. لما في الأمر من مغريات بالنسبة له .. يصطدم بأقربائه وأولاده الذين يشنون عليه حملة عشواء .. بحجة أن الناس سيأكلونهم لاحقاً باللوم والعتب .. لأنهم رموا بأعز قريب لهم .. بعيداً كي يهنأ لهم عيشهم ...! لكن الرجل يقنعهم برغبته بسهولة .!
ليس في ذهاب آبائنا إلى بيوت الرعاية الحضارية تلك .. أية إدانة لنا .. إذا كنا نقوم بزيارتهم بشكل دوري .. فبعد أن زرت تلك البيوت في أكثر من مكان في المدينة .. وجدت قاطنيها ينعمون بحياة رغيدة .. لا يشعرون بالوحدة لأنهم كثر .. وكل واحد فيهم يفهم الآخر بمجمله .. ويقدر مزاجه .. يشعرون بالأمان .. أحاديثهم لا تتوقف .. لا ينفكون يخبرون بعضهم البعض عن ماضيهم وما مروا به من تجارب هنا وهناك .. الجميع يريد أن يتكلم عن نفسه .. والكل يحب أن يسمع أحاديث من يتكلم .. يستمعون لأغانيهم التي سمعوها أيام زمان .. وغنوها يومئذ للحبيب .. يمشون بهدوء .. لا أحد يصرخ أمامهم .. ولا أحد يرفع صوته في حضرتهم .. ولا يضطرون لتحمل مزاج أولادهم .. أو زوجات أبنائهم .. الذين في سريرتهم يكنون لهم حباً ما .. لكن بطريقتهم وبأسلوبهم .!
jihadyabdo@yahoo.com