الشخصية الروائية وذيوعها العالمي
ملحق ثقافي الثلاثاء 20/2/2007 خيري الذهبي في ندوة عن الكاتب الروائي المرحوم فارس زرزور والتي أقامتها وزارة الثقافة مشكورة، فقامت بالدور الحقيقي اللائق بوزارة الثقافة، وتخلف عن حضور الندوة كثير من الكتاب وخصوصاً القائمين على اتحاد الكتاب هؤلاء الذين نراهم في كثير من الندوات التي تقام لتكريم أحياء قد يفيدون انتخابياً أو يغيرون.
المهم في هذه الندوة أثار أحد الروائيين العراقيين وهو كاتب هام قضية إشكالية وهي أنه لمَ لمْ يستطع الكتاب الروائيون العرب المعاصرون صنع أبطال روائيين نموذجيين وباهرين بحيث يستطيعون تجاوز مؤلفيهم والروايات التي وضعوا فيها كما حصل لهاملت البريطاني من صنع شكسبير ، أو كما حدث لراسكو لنيكوف الروسي من وضع دستويفسكي، ثم وضع كاتبنا الجميل استثناء هو شخصية (سي السيد) الذي وصفه نجيب محفوظ في ثلاثيته الشهيرة. كانت هذه المداخلة جارحة وفيها الكثير من جلد الذات كما علقت في مداخلتي على مداخلته، ثم استطردت فتحدثت عن شروط صنع الكاتب في العالم، وبالتالي إشهار وتوزيع الشخصية البارعة التي صنعها، ثم تذكرت أن هاملت وعطيل وشخصيات شكسبير الرائعة وهي رائعة فعلاً لو كتبها مؤلف من سكاندينافيا، ولن أقول من سورية أو لوكتبها مؤلف من الهند أو كانت تحصل على هذا الذيوع، وهل نستطيع أن ننسى أن شكسبير بريطاني، وأي بريطاني. إنه ليس بريطاني المملكة المتحدة المعاصرة الدولة التابعة للولايات المتحدة، بل بريطاني بريطانيا العظمى، الامبراطورية التي لا تغيب عن ممتلكاتها الشمس، سيدة العالم العسكرية والثقافية لما يزيد على قرنين والتي استطاعت فرض ثقافتها بعد فرض عسكريتها على العالم، فاستطاعت بالتالي فرض نموذجها ليصبح عالمياً فيخرج عن وطنيته واقليميته، ثم يعيش حياته الخاصة..والسؤال الذي يمكن، بل يجب سؤاله هو أن شكسبير لو كان سكاندينافيا، وكما أسلفت فلن أتطرق لأقول سورياً أو سيلانياً، فهل كان سيذيع هذا الذيوع مع مؤلفاته، وهل كان له أن يحصل على هذه الكونية؟!! ودون كيشوت سيرفانتيس هل كان له أن يحصل على هذا الذيوع لو لم يكن اسبانياً في اسبانيا الامبراطورية الكبرى، الامبراطورية التي سبقت بريطانيا الى الثراء حين احتلت أمريكا اللاتينية واستنزفت ذهبها كله لتحكم به أوروبا والبحر المتوسط، ثم تصبح عنصراً أساسياً في الثقافة الأوروبية الصناعية المنتصرة على العالم وتفرض بالتالي نموذجها الأدبي والفكري والبطولي وتساءلت لو كان سيرفانتس مغربياً أو سورياً أكان له أن يحصل على هذا الانتشار ليصبح نموذجاً خارج الوطنية والإقليمية والمحلية، ثم أكملت تساؤلاتي، فنظرت الى الولايات المتحدة التي خرجت من الحرب العالمية الثانية وقد انتصرت على العالم القديم عسكرياً واقتصادياً، ولكنها الأضعف ثقافياً فبدأت عن سبق إصرار وتصميم في صنع أعلامها ونماذجها ولنذكرارنست هيمنغواي وأبطاله الفرديين القادرين على تحقيق أحلامهم ومحاربة العالم بفرديتهم والانتصار..الى آخر النماذج التي صنعها ولنقرنها بشخصيات فولكنر مواطنه بشخوصه القلقة الممزقة بين الحنين الى الماضي، والبحث عن موطىء قدم في الحاضر، ولنذكر مواطنه الروائي العظيم جون روس باسوس الذي لم يترجم تقريباً خارج اللغة الامريكية لأنه اتخذ موقفاً مبكراً ضد الآلة العسكرية الأمريكية. ثم لنعد الى همنغواي وكيف فرض على العالم وكأنه الكاتب الأوحد رغم متوسطية ما أعطى أدبياً مقروناً بأبناء جيله الغربيين والأمريكيين والهسبانيول (أمريكا اللاتينية) إلا أنه مفيد للصورة التي تريدها أمريكا لنفسها (أمريكا السياسية) فحملته وضخمته حتى ان واحدا من كل عشرة قارئين في العالم من أبناء جيلي على الأقل كان لابد لهم أن يقرؤوه ودرة أعماله (الشيخ والبحر) هي رواية معارضة لرواية موبي ديك أعني هيرمان ميلفيل ، ولكنهم تجاهلوا ميلفيل وعملقوا همنغواي فهو النموذج الذي يريدون نشره عن أمريكا الصاعدة البطل الفرد. أما فوكنر ودوس باسوس فقد تركوهما يعيشان كاتبين عاديين دون مجد وإضاءة همنغواي ثم لنذكر المسرحي الأمريكي ثورنتون وايلدر في مسرحيته (بليرتنا) وكيف ترجمت بعد الحرب الى عشرات اللغات ومثلت على مئات المسارح إنها المانيفستو الامريكي إنها (طريقتنا في العيش والموت) انها أمريكا.. ما أريد أن أصل إليه هو أن حضارة صاحبة مشروع حضارة صاعدة تستطيع فرض نموذجها وشخوص كتابها، بل وكتابها..أما حضارة مشوشة قلقة لا تعرف مشروعها الثقافي بعد، بل تثقله بالرقابات المضحكة وبالمنع من الانتقال عبر أقطار الثقافة الواحدة، وتضيء المتحمق وإن كان تافهاً حضارة كهذه لن تستطيع صنع كاتب ولا شخصية ولا نموذج، بل..الخواء والغثاء الذي نراه مضاء من حولنا كل يوم.
|