تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مدخل إلى المشهد الروائي المعاصر في حلب

ملحق ثقافي
الثلاثاء 20/2/2007
نذير جعفــر

تواجه الباحث مشكلات عدّة في تتبّع المشهد الروائي في حلب , ورصد موضوعاته وفضاءاته واتجاهاته الفنيّة .

أوّلها ندرة المراجع المطبوعة والدراسات المنشورة حوله , وثانيـها : ضياع كثير من البواكير الروائية المخطوطة أو التي نشرت في طبعات محدودة , وثالثها : الغموض الذي يحيط بتاريخ طبع عدد من الروايات وهوية كتّابها .‏

ومع أن حلب حظيت بأول مطبعة في الشرق بالحروف العربية ( 1702 م ) , وأن بعض الباحثين يعدّون كتاب فرنسيس المرّاش “ غابة الحقّ “ الصادر عام ( 1865 ) أول رواية عربية فإن النتاج الروائي الحلبي الذي تمكّنا من الوقوف عليه لا يتجاوز برمّته مئة رواية من أصل سبعمائة هي مجمل النتاج الروائي السوري حتى مطلع الألفية الثالثة على وجه التقريب . وقد اجتهدنا في تقسيم مسار تطور الرواية في حلب إلى ثلاث مراحل : مرحلة التأسيس , ومرحلة التأصيل , ومرحلة التجريب . وذلك استنادا إلى تاريخ النشر , وإلى الطابع العام الذي اتسمت به , والدور الذي أدته . مرحلة التأسيس ( 1935 ـ 1960) إذا تجاوزنا الجدل حول روايات عصر النهضة وما تلاها من أعمال حتى ثلاثينيات القرن العشرين ,‏

ومدى اقترابها أو ابتعادها من مفهوم الرواية , فإن أول كاتب يلفت انتباهنا في هذه المرحلة التي ترتبط باسمه هو شكيب الجابري ( 1912 ـ 1996 م ) عبر روايته الأولى" نهم ـ 1937 " التي أتبعها بـ " قدر يلهو ـ 1937 " و " قوس قزح ـ 1946 " و " وداعا أفاميا ـ 1960 " . ثم يأتي عبد الرحمن آل شلبي ( 1922 ـ 1992 م ) الذي أصدر في هذه الفترة : " من المجهولة إلى مايا ـ 1947 م " , و " نشيد كولومبيا ـ 1952 م " , ثم أتبعها بـ " الحقيقة تبقى سؤالا ـ 1969 " و " قبل أن تؤذن الديكة ـ 1971 " و " الجائع إلى الإنسان ـ 1974 " . ويمكن أن ندرج في هذه المرحلة كلا من صباح محيي الدين في روايته " خمر الشبـاب 1958م " , وأدمون بصّال في روايته " شخصيات تمرّ وإنسان يعيش " , وفاضل السباعي في روايته " الظمأ والينبوع ـ 1959 م " . والتي أتبعها بـ " ثم أزهر الحزن ـ 1963 " و " رياح كانون ـ 1968 " و " الطبل ـ 1992 " و " بدر الزمان 1992 " . وبذلك يعدّ السباعي أحد الرواد من الجيل المؤسس الذي أغنى المشهد الروائي والقصصي في حلب وما زال يواظب على الكتابة والنشر منذ أواخر الخمسينيات حتى الآن .‏

وقد انشغلت بعض هذه الروايات في مرحلة التأسيس بتصوير العلاقة بين الشرق والغرب عبر قصة حب آسرة ومثيرة بين شاب وفتاة وما يتبع ذلك من اختلاف في العادات والتقاليد والعقيدة والثقافة كما في : " قدر يلهو " و” قوس قزح " للجابري , و " خمر الشباب " لمحيي الدين , و " الظمأ والينبوع " للسباعي . فيما حفل بعضها الآخر بالمضامين الاجتماعية وتصوير حياة البسطاء ومعاناتهم عبر حبكة تقليدية تتابعية تخلص لعناصرها الثلاثة المتمثلة في البداية والعقدة والنهاية . مرحلة التأصيل (1960ـ 1990) في مطلع الستينيات وإثر حركة الترجمة النشطة عن اللغات الأجنبية ( الإنكليزية والفرنسية والروسية ) , برزت أسماء جديدة تأثرت بشكل أو بآخر بتيارات الرواية العالمية وبالنزعات الفكرية السائدة آنذاك مثل الوجودية والقومية والاشتراكية , وأسهمت في تأصيل الجنس الروائي وإكسابه خصوصيته الفنية , ومع أن هذه المرحلة بدأت زمنيا مع رواية " غروب الآلهة ـ 1961 " , و” المحمومون 1965 م " لمحمد الراشد و رواية " المنفى ـ 1962 " لجورج سالم , إلا أنها بسبب توقّف الأول ورحيل الثاني أخذت أبعادها على يد كل من أديب نحوي الذي أصدر " متى يعود المطر ـ 1960 " ووليد إخلاصي الذي أصدر " شتاء البحر اليابس 1965 م ". وقد استمر نحوي في تجربته الروائية فأصدر خمس روايات أخرى اتسمت بنزعتها الواقعيـة ومضامينها الوطنية والقومية التي تثمّن في شخوصها ونماذجها الإنسانية قيم الشهادة , والحرية , والكرامة ,‏

وهي : " جومبي ـ 1966” , و " عرس فلسطيني ـ 1970” و " " تاج اللؤلؤ ـ 1980 " و " سلام على الغائبين ـ 1981 " و " آخر من شبه لهم ـ 1991 " . فيما بلغت روايات إخلاصي حتى اليوم إحدى عشرة رواية تباينت فيها البنية السردية بين النزعة الواقعية والرمزية والرومانسية والأسطورية , وحفلت بثنائيات الصراع بين المعرفة والاستبداد , والجمال والقبح , والحقيقة والوهم , كما قدّمت حلب بأبعادها الاجتماعية والتاريخية والعمرانية برؤية خاصة ومتفرّدة منذ مطلع القرن العشرين حتى اليوم . وهذه الروايات هي : " أحضان السيدة الجميلة ـ 1969 " و " أحزان الرماد ـ 1975 " و " الحنظل الأليف ـ 1980 " و زهرة الصندل ـ 1981 " و” بيت الخلد ـ 1982 " و” باب الجمر ـ 1984” و " دار المتعةـ 1991 " و” ملحمة القتل الصغرى ـ 1994 " و” الفتوحات ـ 2001” و” سمعت صوتا هاتفا ـ 2003” . وبذلك يكون وليد إخلاصي شيخ شباب الروائيين الأغزر بين القدماء والمحدثين والأكثر استمرارا و انفتاحا على آفاق الحداثة والتجريب الفني . وتتالت التجارب الروائية في هذه المرحلة فكانت جورجيت حنوش من أوائل الأصوات النسائية التي اقتحمت هذا المجال ثم توقفت بعدما صدر لها روايتان هما : " ذهب بعيدا ـ 1961 " , و” عشيقة حبيبي ـ 1964 " , كما ظهرت أسماء جديدة منها ما توقف عند العمل الأول مثل : عبد الرحمن حمّادي في روايته : " آه يا قمر الجزيرة 1980 " , وصبحية عنداني في روايتها: " مذكّرات امرأة فاشلة ـ 1983 " , و علي مظفر سلطان في روايته : " المفتاح ـ 1984 ", وعبد الوهاب الصابوني في روايته : " عصام ـ د . ت " , وسعد زغلول الكواكبي في روايته التاريخية : " جابرة الطرود فتاة بني مرداس ـ د . ت " . ومنها ما أصدر عملين أو ثلاثة فقط مثل : عبدو محمد في روايتيه التاريخيتين : " هولاكو في بغداد ـ 1984 " ,و " نابليون في القاهرة ـ 1984 " وخالص الجابري في : " قف أنا دخيلة عليك ـ 1969 " و " حب في زحل ـ 1971 " , وبشير فنصة في : " برج الصمت ـ 1975 " و " النوافذ المغلقة ـ 1977 " و " رسالة الراح والأرواح ـ 1981 " . وبعضها ما زال مستمرا حتى اليوم مثل غازي حسين العلي الذي أصدر : " حمود مستديـر القامة ـ 1985 و " صخب الأرصفة ـ2003 " و " حديقة الرمل ـ 2006 " التي حاول أن يقدم من خلالها تجربة جديدة تتكىء على الموروث السردي من ناحية وتسعى إلى الخروج من الأطر المدرسية لمفهوم العمل الروائي من ناحية ثانية , ما جعل أعماله مثار أخذ ورد بين عدد من القراء والنقاد . ويتوّج هذه المرحلة نهاد سيريس الذي عمل على تعميق النزعة الواقعية بأفقها المفتوح على شتى التجارب الفنية عبر سلسلة من الأعمال التي استعادت التاريخ المعاصر لسورية وحلب بشكل خاص منذ حرب " السفربرلك " حتى اليوم . وشكّلت علامة في الرواية الحلبية والسورية عامة , وهذه الأعمال هي : " السرطان ـ 1987 " و " رياح الشمال ـ سوق الصغير 1989 " و " الكوميديا الفلاحية ـ 1990 " و " رياح الشمال ـ الجزء الثاني 1993 " و” حالة شغف 1998 " و " الصمت والصخب 2004 " . مرحلة التجريب (1990 ـ 2006): تتميز هذه المرحلة بثلاث خصائص , أولها : الإقبال المتزايد على كتابة الرواية رجالا ونساء من مختلف الأجيال بعدما كانت مقتصرة على الرجال وينظر إليها في بدايات عصر النهضة على أنها عمل مرذول وخاص بالسوقة من النـاس ! . وثانيها : ظهور اتجاهات جديدة على مستوى الشكل والمحتوى . وثالثها : تجاوز الروائيين الحلبيين حدود المدينة والقطر إلى البلدان العربية والأجنبية عبر الترجمة و المشاركة في المسابقات والفوز بالجوائز . ويتصدّر هذه المرحلة كل من محمد أبو معتوق وفيصل خرتش . فقد أصدر أبو معتوق خمس روايات هي : " شجرة الكلام ـ 1991 " و " جبل الهتافات الحزين ـ 1992 "و " الأسوار ـ 1994 " و " لحظة الفراشات ـ 1999” و” العراّف والوردة ـ 2006 " . وتتنوع مضامين أعماله ما بين التاريخي والمعاصر عبر نزعة عالية من التخييل واللعب باللغة والكلمات , في إطار من السخرية التي لا تسعى إلى الإضحاك أو النيل من الآخر بقدر ما تثير الحوار والسؤال وصولا إلى المعرفة والمتعة الفنية في آن معا . أمّا فيصل خرتش فقد صدر له سبع روايات هي : " موجز تاريخ الباشا الصغير ـ 1990 " و " أوراق الليل والياسمين ـ 1994 " و " تراب الغرباء ـ 1995 "و مقهى المجانين ـ 1995 " و خان الزيتون 1995 "و” حمام النسوان 1999 " و " مقهى القصر ـ 2006 " . وهو يهتم بالعالم السفلي للمدينة وما فيه من تنوّع اجتماعي وأثني , وقد رصد التحولات السياسية والاجتماعية التي مرّت فيها المدينة , وما فيها من عادات وتقاليد وعمق تاريخي وتراثي وعمراني . وقد شهدت هذه المرحلة تحول عدد من كتاب القصة القصيرة إلى الرواية مثل نيروز مالك الذي أصدر بعد تسع مجموعات قصصية روايته الأولى : " زهور كافكا " التي قدّم فيها تجربة خاصة تقوم على الإيحاء والترميز وإدانة السلطة الأبوية من خلال تجربة الحب والمحنة التي عاشها بطل الرواية جمال الحلبي إثر سفره إلى باريس . ولدى نيروز أكثر من رواية مخطوطة تنتظر النشر منها " مم وشين " التي يستلهم من خلالها بأسلوب ورؤية معاصرة ملحمة " مم وزين " الشعرية التي صاغها من قبل أحمد الخاني . وهناك من جمع بين كتابة السيناريو والرواية مثل خالد خليفة الذي صدر له : " حارس الخديعة ـ 1990 " و” دفاتر القرباط ـ 2000 " و " مديح الكراهية ـ 2006 " . وهو يحاول في هذه الأعمال الاقتراب من الممنوع وكشف المسكوت عنه على المستويين الاجتماعي والسياسي , عبر نزعة غرائبية ولغة تتحرر من وظائفها ودلالاتها السردية المباشرة لتبني نسقها الخاص عبر انزياحات شاعرية تصل أحيانا إلى حد التهويم . كما ظهرت أسماء كثيرة صدر لبعضها عمل أو اثنان , لاقت اهتماما واسعا وبعضها نال جوائز محلية وعربية منها : " جمر الموتى ـ 1992 " لنضال الصالح , و” الظهور الأخير للجد العظيم ـ 1995 " لزياد كمال حمامي " , و " اللامتناهي ـ 1995 " و” لوحة الغلاف ـ جدران الخيبة أعلى ـ 2002 " لمها حسن , و” بوابة المجهول ـ 1996 " لقاسم سيد حسين , و الكوبرا تصنع العسل ـ 1996 " للدكتور أحمد زياد محبك , و " السبع الأشهب 1999” لنادر السباعي " , و " برزخ اللهب ـ 1999” لغالية خوجة , و " بداية كل الأشياء ـ 2000 " لمحمد بسام سرميني , و " اختياراتي والحب ـ 2001 " لضياء قصبجي” , ورحلة في الزمن العمودي 2001 " و " الحمأ ـ 2002 " و " الغاوي ـ 2003 " لبهيجة مصري إدلبي , و” حواف خشنة ـ 2002 " لعمر قدور , و " للسنابل أن تنحني ـ 2002” لفاديا شمّاس , و” آه يا زمن ـ 2002” لمعتصم سمّاقية , و " الانكسارـ 2003 " لعامر الدبك " و” طوق الأحلام 2005 " لمحمد شويحنة " و” جبل السمّاق 2005 " و” ذاكرة الرماد 2006 " لابتسام ترّيسي " , ", و” الحالات : رواية في أصوات ـ 2006 " لسمير طحان " , و” حارة الباشا ـ 2006 " لكامل سكيف , و " قلاع ضامرة ـ 2007 " لعبد الرحمن حلاق . ويلاحظ في المشهد الروائي الحلبي المعاصر تنوّع الحقول التي ارتادتها هذه الأعمال ما بين التاريخ وترهينه , والسيرة المستعادة , وصور المدينة بأبعادها الاجتماعية والعمرانية والتراثيـة , وأشكال الصراع المختلفة . كما استمرت البنى الفنية الكلاسيكية إلى جانب أحدث موجات التجريب فنرى الواقعية تتجاور مع الرمزية والغرائبية والتسجيلية بين كاتب وآخر أو عند الكاتب نفسه أحيانا . وبالقدر الذي يبشّر فيه هذا المشهد ببروز أصوات وتجارب جديدة , وترسيخ أسماء أصبح لها حضورها , فإنه لا يخلو من بعض السلبيات التي تتمثّل في التهاون في اللغة , وفي الميل إلى الانثيالات الشعرية التي تضعف بنية السرد وتحيد به عن مقاصده , وفي الغموض المصطنع تحت ستار التجريب ومشروعي‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية