|
عمارة يعقوبيان .. عمارة المجتمع العربي المعاصر .. ملحق ثقافي
وميزة العمل الروائي أن الكاتب يمتلك أدوات سهلة للتعبير ، الكلمة، بحيث يستطيع عبرها أن يؤرخ ويصور أكثر الحالات تعقيداً وتشابكاً.. ومع بساطة الكلمة فإنها تصل إلى الأعمق والأبعد. في حين أن لغة الكاميرا تحتاج إلى عناية أكبر، وإلى تضافر مجموعة هائلة من الطاقات والكفاءات، البشرية والفنية، لتصوير حالة استثنائية.. وخلق عالم يقترب من العالم الواقعي ، ليعبر عن جماله وقبحه في آن . ومع ذلك استطاع فيلم "عمارة يعقوبيان" أن يحافظ على روح الرواية. بل الأهم أن يقدم لنا عالم علاء الأسواني عبر مشهدية مرئية نقلت لنا جمالية العالم الروائي برؤية سينمائية.. وهو الأمر الذي لم ينجح في الكثير من الأعمال السينمائية العالمية.. حيث كان الفيلم ، في معظم الأحيان ، يخلق عالماً آخر، بعيداً عن عالم الرواية ذاتها.. وبغض النظر إن كان "عالم الفيلم" جميلاً وناجحاً.. أو عكس ذلك.
وهنا لا بد من التنويه إلى أن الانتقادات التي طالت الفيلم، حول هذه النقطة. كانت متناقضة، ففي حين أخذ على السيناريست أنه لم يضف جديداً على الرواية، بل أنه كان أسير الرواية بحيث كان أشبه "بموظف" مهمته الحفاظ على "أمانة" العمل الروائي . رأى آخرون بأن السيناريست أعطى عنايته لجوانب معينة من الرواية "النساء مثلاً" في حين أهمل جوانب أخرى في غاية الأهمية ( الفساد مثلاً)!! لكنني أرى أن كلا الجهتين كانتا غير محقتين في النقد الذي وجه للسيناريست الكبير (وحيد حامد).. إذ انه تعامل مع النص الروائي بحرفية السيناريست وشفافيته السينمائية، وأعطى لكل جانب حقه بما تسمح به خصوصية الفن السابع. ولابد من تسجيل ملاحظة هامة قبل الدخول في تفاصيل الفيلم ، أن عادل إمام في (عمارة يعقوبيان) ربما كان يكتشف نفسه من جديد ، ونكتشفه بدورنا أكثر .. إنها عودة (النجم) إلى الفنان الحقيقي ..بعيداً عن التهريج والهزليات و(شباك التذاكر) .. فعلى مدار (160) دقيقة هي زمن الفيلم ، كان عادل إمام ، بحد ذاته، فيلماً آخر ، ولا أبالغ إن قلت إنه العمل الذي ارتقى به إلى مصاف العالمية ، والنجومية الحقة .
وكذلك الفنانة الكبيرة (يسرا) التي لم يتجاوز دورها دقائق معدودة ،وقد جسدت شخصية سيدة فرنسية (كريستين) صاحبة أحد البارات الشهيرة بوسط البلد .. ومع ذلك كان لحضورها وقعه الخاص ، دون اللجوء إلى (دعائم) سطحية مثيرة أو إغراءات جسدية .. لقد كانت يسرا الفنانة فقط . ابن الباشا .. وتزاوج الليبرالية مع المجتمع التقليدي بداية لا بد من إلقاء الضوء على الإطار العام لقصة الفيلم ، فعمارة يعقوبيان هي قصة بناية متعددة الطوابق بوسط القاهرة .. ومن خلال تاريخ العمارة، وسكانها، والخدم العاملين فيها،ومن يحبونها، ومن يكرهونها، ومن يحاولون هدمها، يحاول علاء الأسوانى تسطير تاريخ مصر اعتباراً من النصف الثاني من القرن العشرين وحتى يومنا هذا.
فداخل شوارع وبارات ومحلات وشقق وسط البلد تغوص الكاميرا لتخرج نماذج مختلفة من المجتمع ، قصص أشخاص كثيرون لكن الجميع له علاقة بعمارة يعقوبيان .. ابن الباشا السابق زكي الدسوقي "عادل إمام" المحتفظ بأناقته وعجرفته المنتمية للعائلات الأرستقراطية ، والذي كان في شبابه زير نساء ، ومازال ضعيفاً أمام المرأة ، لكنه الآن يعاشر نساء مختلفات بعد أن تغير الزمن فأصبح يصادق فتيات الخمارات السيئة في وسط البلد . زكي الدسوقي خفيف الظل .. وهو نتاج امتزاج مصر بالحضارة الغربية، فقد درس وعاش في فرنسا ولكنه محبط من الظروف والأحوال التي آلت إليها البلاد، وهو يجسد روح مصر المتسامحة الليبرالية خفيفة الظل عاشقة الجمال والأناقة ..
يستغل خادمه فانوس"أحمد راتب" حبه للنساء ومعلوماته عن جميع سكان العمارة ، ويضع في طريقه بثينة "هند صبري" الفتاة الغلبانة التي تعول أسرتها وتضطر إلى التضحية بشرفها ـ مع الحفاظ على عذريتها ـ مع صاحب المحل الذي تعمل به ، بل وتضحي بحب الطفولة .. حبيبها طه الشاذلي "محمد إمام" ابن البواب ، لتهرب من الفقر الذي يحيط بحبهما ، فشلت قصة الحب بسبب الفقر مع الرفض من كلية الشرطة حلم العمر لطه ..هذا الأمر دفعه إلى الهروب بالدخول في الجماعات الدينية وبدء متاهات جديدة في حياته .
ماسح أحذية وتاجر مخدرات .. وعضو في مجلس الشعب يعرف الفساد السياسي بمعناه الأوسع بأنه إساءة استخدام السلطة العامة (الحكومية) لأهداف غير مشروعة وعادة ما تكون سرية لتحقيق مكاسب شخصية. فكل أنواع الأنظمة السياسية معرضة للفساد السياسي التي تتنوع أشكاله إلا أن أكثرها شيوعاً هي المحسوبية والرشوة والابتزاز وممارسة النفوذ والاحتيال ومحاباة الأقارب. ورغم أن الفساد السياسي يسهل النشاطات الإجرامية من قبيل الاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال والدعارة إلا أنه لا يقتصر على هذه النشاطات فهو يدعم أو يحمي بالضرورة الجرائم الأخرى. وبهذا المعنى الحرفي للفساد السياسي ، تدخل الكاميرا إلى دهاليز الحياة السياسية في مصر عبر شخصية الحاج عزام"نور الشريف"الذي كان ماسح أحذية في الماضي ثم أصبح يمتلك نصف محلات وسط البلد بطرق غير شرعية ،
ويمتلك الكثير من التوكيلات الأجنبية التي تزيد من ثرائه ، ويتزوج سراً من سعاد"سمية الخشاب" ويشترط عليها عدم الإنجاب ولكن سعاد لا تصغي لأوامره فيسلط عليها ابنه فوزي"تامر عبد المنعم" للانتقام من مخالفتها لأوامره ، الحاج عزام تاجر المخدرات الإخطبوط الذي يرتدي قناع الدين ويبرر به كل شيء حتى تجارة المخدرات "فالمخدرات لم يحرمها الإسلام" على حد زعمه، ولكن عندما تعارض الدين مع رغبته في إجهاض زوجته الجديدة "سمية الخشاب" لم يتردد قط في أن يضرب عرض الحائط بالدين . يعكس الحاج عزام نموذجا مشوها أفرزته مرحلة الانفتاح و"البتروإسلام" والتي استطاع من خلالها ماسح أحذية سابق وتاجر مخدرات حالي أن يصبح عضوا في مجلس الشعب بعد أن دفع الثمن (مليون جنيه) ليثير في المجلس الموقر قضايا تافهة مثل قضايا فتيات الإعلانات!!
يرتبط عزام بشكل عضوي بشخصية الوزير الفاسد كمال الفولي التي يجسدها (خالد صالح) الذي باع مقعد مجلس الشعب للحاج عزام، ولم يتردد في إفساد قضية مخدرات ثابتة ضد عزام ليشاركه ثمار تجارته غير المشروعة. ماسح الأحذية الذي نجح، على عكس معظم أبطال الرواية في تحقيق حلمه في تسلق السلم الاجتماعي والاقتصادي. لكنه ترك خلفه ضررا هائلا .. أشبه بفراغ مفتوح على انهيار لا نهاية له . يتعمد الوزير الفاسد وعضو مجلس الشعب (وهما تعبير عن السلطتين التنفيذية والتشريعية) أن يمرا على جميع الرسائل الصريحة والمبطنة في البناء الروائي حول تمرد الإنسان المصري، وسخطه على الفساد، من خلال حوارية على لسان الوزير الفاسد ،
التي تصور واقع الناس البسطاء ، الواقع المتأخر تاريخياً الذي تنعدم فيه قيم المواطنة الحقة ، وفكرة الحق والواجب من خلال الانتخابات البرلمانية ، فالدولة الفاسدة لا تزور الانتخابات ، وإنما تدرس بعناية (نفسية) الناس .. تدرس خوفهم وانعدام الرفض والمعارضة في داخلهم .. تدرس أزمة الرغيف وثقافة الخوف ، تنظر إلى المجتمع بوصفه قطيعاً يبحث عن (الآكال والمرعى) .. تدرس عزوف الناس عن السياسة وتذللهم أمام سلطة العسكر والأجهزة الأمنية والشعارات المنافقة : ((الناس الساذجة فاهمين إننا بنزور الانتخابات .. ..أبداً..كل الحكاية إننا دارسين نفسية الشعب المصري كويس...المصريين ربنا خلقهم فى ظل حكومة..لا يمكن لأي مصري أن يخالف حكومته..فيه شعوب طبعا تثور وتتمرد إنما المصري طول عمره يطاطي لأجل يأكل عيش..الكلام ده مكتوب في التاريخ، الشعب المصري أسهل شعب ينحكم في الدنيا..أول ما تأخذ السلطة المصريين يخضعوا لك ويتذللوا لك وتعمل فيهم على مزاجك.. وأي حزب في مصر لما يعمل انتخابات وهو في السلطة لازم يكسبها لأن المصري لازم يؤيد الحكومة..ربنا خلقه كده... )) ويعبر الوزير الفولي عن نفسه ـ في أكثر من مناسبة ـ (إنني مجرد واجهة لمن هو أقوى مني بكثير) !! إنه الرجل المهم جداً في الحكومة والغامض إلى حد كبير .. والذي يرمز إلى سلطة الفساد والإفساد القائمة في عالمنا العربي . الفساد السياسي .. ومصنع الإرهاب والإرهاب المضاد الوجه الآخر للفساد السياسي ، تجسد في الفيلم بالإرهاب الأصولي ، وهي مفارقة في غاية الأهمية ، حيث يتحول الفساد إلى مصنع ليس للعهر والسقوط ورواج القيم الاستهلاكية فحسب ، وإنما هو مصنع للإرهاب والإرهاب المضاد في المجتمع .. مصنع الفساد يطحن شبابنا ، إما من خلال الرضوخ والقبول بالقيم والسلطات الجائرة والفاسدة التي تغتال أحلامنا البسيطة في وطن للجميع ،أو بالتحول نحو الإرهاب الأصولي . فشخصية طه ابن البواب المتفوق وهي الشخصية الأكثر واقعية في الفيلم، والأشد حدة التي عكست قضية الفقر والفساد والتطرف والانتماء السياسي للدين واللجوء إلى الإرهاب والقتل بسبب انعدام أي أمل بالتغيير الديمقراطي والإصلاح الحقيقيين ، حيث كان يحلم بأن يخدم وطنه في الشرطة فحال دون طموحه الفقر وتواضع الأصل الأمر الذي دفعه دفعا إلى أحضان التطرف وقد ساهم رجال وزارة الداخلية باعتدائهم عليه وانتهاكهم عرضه في تحوله إلى العنف. طه الشاذلى ابن البواب أحد الشخصيات البارزة في العمل، والتي علقت في ذهن المشاهد بشدة، من خلال المحنة النفسية التي تعرض لها .. وهو المراهق المؤمن بالمثاليات، الذي صدق أنه سيلتحق بكلية الشرطة رغم انتمائه لأسرة فقيرة متواضعة اجتماعيا.. حتى يستيقظ على الواقع الأليم الذي يلطمه على وجهه، بعد أن يقف مبلغ الرشوة الطائل، ومهنة أبيه عائقا أمام تحقيق أمنيته. فيلتحق مجبراً بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وهناك يتعرف على خلية تابعة للجماعات الإسلامية ..يشعر آنذاك أنه المكان الوحيد الذي يجد فيه القبول والأهمية؛ حيث لا يُسأل فيه عن أصله !! ينخرط "طه" في العمل السياسي في الجامعة رغبة منه في أن يحقق ذاته، مكتشفا أهميته، وربما في جزء خفي من نفسه يريد أن يخرج على "السلطة الظالمة" التي رفضت تحقيق حلمه، لتطارده الشرطة في مشهد طويل نسبيا؛ حيث يقبض عليه ويعذب ويعتدى عليه جنسيا. يخرج من سجنه مقررا الانتقام من الضابط الذي أمر بالاعتداء عليه،وهنا يتحول الاعتداء الجنسي إلى اعتداء أبعد وأكثر قسوة وإذلالاً ..إنه اعتداء على (حرمة) الوطن .. وعلى الرأي والرأي الآخر ، اعتداء على مواطنية المواطن وإنسانيته ، فينخرط وبقوة في العمل (الراديكالي) الحقيقي، فنراه في نهاية قصته قد قتل الضابط، وسقط قتيلاً بجواره مختلطة دماؤه بدماء الضابط، وكأن دماء كلا الطرفين واحدة ومحرمة على الجميع، أو أن الاثنين ضحيتان وجلادان بشكل ما، وفي إشارة أعمق إلى أن كثيراً من العمليات المسلحة حدثت كردة فعل للممارسات العنيفة لأجهزة الأمن. النساء والجنس .. في عمارة يعقوبيان معظم نساء الفيلم هن نساء محبطات ممزقات تطحنهن الظروف الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية .. وأعتقد أن الفيلم قدّم صورة واقعية إلى حد كبير عن شريحة واسعة من النساء في العالم العربي .. حيث استعاد العلاقة القهرية بين الرجل والمرأة من جهة ، والعلاقة القهرية بين كلاهما والسلطة من جهة أخرى . فمن وفاة الأب أو الزوج المبكرة ثم الاضطرار إلى الخدمة في البيوت ، كما في حالة والدة بثينة يضاف إلى ذلك تواطؤ صامت مع ابنتها عندما تبيع جسدها . إلى التسليم ببيع الجسد مقابل الحفاظ على العمل بالقطاع الخاص مثل بثينة و صديقتها . أو فقد الزوج بسبب سياسي كحالة رضوى التي جرى إعدام زوجها بدون محاكمة من قبل ضباط الأمن (رضوى لم يسلط الفيلم الضوء عليها كما في الرواية) ، وصولاً إلى سعاد التي تبيع جسدها بالحلال ( زواجاً ) كي تحصل على الأمان المادي . إشكاليات المرأة في عمارة يعقوبيان ، تنبع تقريباً من إشكاليات التحول الخطير من مجتمع فلاحي أو شبه مديني، يقوم على الكفاف المنتج محلياً، إلى مجتمع استهلاكي قائم على الشطارة و(التكتكة) .. بحيث يتحول فيه الإنسان (رجلاً أو امرأة) إلى سلعة للبيع والشراء ..وما تملكه المرأة في معظم الشرائح الشعبية الفقيرة هو جسدها .. للمساومة . قلت آنفاً أن الفساد السياسي يغتال أحلامنا الصغيرة .. في الحب والكفاف والقناعة والنزاهة والشرف، لم يدع الفساد السياسي زاوية من زوايا المجتمع إلا وامتد إليها سرطاناً يأكل جميع الخلايا السليمة في الجسد العربي. وليس مستغرباً أن تكون المرأة هي من أكثر ضحايا هذا السرطان . الجرأة في تناول المسكوت عنه .. الشذوذ الجنسي من أكثر الجوانب التي تعرض لها الفيلم جرأة وشجاعة ، هي قضية الشذوذ الجنسي ، وهي المسألة التي لم يحاول الأدب والفن العربيين الاقتراب منها إلا فيما ندر، وعلى استحياء شديد، في حين أن (عمارة يعقوبيان) (الفيلم والرواية) تسجل هذه الخطوة الجريئة من خلال شخصية حاتم (خالد الصاوي)، رئيس تحرير جريدة القاهرة الفرنسية، الشاذ جنسيا الذي تدفعه رغبته إلى إقامة علاقة مع جندي الأمن المركزي (عبد ربه) ـ باسم سمرة؛ فيرتبط به بشغف كبير ، حتى إنه يؤجر له غرفة في سطح العمارة ليكون بجواره باستمرار. ولكن ما يلبث أن يفقد (عبد ربه) ابنه الرضيع فيقتنع أن ذلك ليس إلا عقاباً إلهياً، فيهجر (حاتم) ويرجع إلى الصعيد ..يعيش (حاتم) مرحلة ألم حقيقية ، فيلجأ إلى أحد الغرباء ـ بحثاً عن (الحب) الذي فقده _ فيقتله (صديقه) الجديد طمعا في ساعة يده الغالية !! ورغم أن رحلة (حاتم) هي رحلة مأساوية؛ يظهر من خلالها أنه كان ضحية لإهمال والديه في التربية؛ حيث كان يعتدي عليه خادم الأسرة الشاذ في صغره ، إلا أن الفيلم يظهر مواقفه الوطنية وحبه لبلده من ناحية ثانية . ولم يفت كاتب السيناريو أن يظهر مدى تلاعب (حاتم) بالمنطق والأفكار مسخرا ثقافته ليقنع (عبد ربه) بعدم حرمة الشذوذ، أو بكونه شيئاً عادياً، في إشارة مهمة يمكن تفسيرها بتلاعب بعض المثقفين بوعي البسطاء. كأن يقول حاتم لعبد ربه : (الزنا هو الحرام لأنه يؤدي إلى اختلاط الأنساب .. ولكن الرجال لا يحملون والله غفور رحيم)!! ومن المهم التنويه هنا إلى روعة أداء (خالد الصاوي) لهذه الشخصية المركبة وتعبيره عنها دونما مبالغة أو ابتذال، لقد لعب دور (المثلي) ببراعة نادرة . هل تكون الليبرالية حلاً لإشكاليات الأمة ؟! ربما مازال من الممكن أن يكتب الكثير حول (عمارة يعقوبيان) ، ويمكن قراءتها بعدة معايير .. ولكن المعيار الأهم هو المعيار السياسي ـ التاريخي اليوم ، حيث يبدو أن الأمة ستخرج من التاريخ العالمي .. إن لم تكن قد خرجت ؟! عمارة يعقوبيان فتحت الباب واسعاً على أمل ما في نهايتها (زواج زكي باشا ببثينة الفقيرة والمضطهدة) ، وإن كان زكي باشا يرمز إلى الليبرالية العربية في وقت ما فإن بثينة (الفقيرة والمضطهدة) هي مصر .. كل مصر، ربما أراد علاء الأسواني من خلال خاتمته تلك أن يقول أن لا أمل في العودة إلى التاريخ والحضارة والعصر دون تلك المنظومة من القيم الليبرالية العظيمة : ديمقراطية ، حريات عامة ، حداثة ، تعددية سياسية .. وإلى آخر هذا الإرث الإنساني .. خصوصاً أن زكي باشا ـ الليبرالية العربية ـ في إحدى محطات الفيلم ، يخاطب الله قائلاً : (أنا عمري لم أؤذي أحد .. عشان كده لازم تعملي خصم في الحساب عن أخطائي 20 % أو 30 % أو 50 % ... والله قولك خليها 100 % ) !! يبدو أنه (الحل) الذي اقترحه الكاتب لإشكاليات الأمة . وأخيراً أستعير مما قدّم الناشر لرواية علاء الأسواني الرائعة حيث قال : (جاءت رواية "عمارة يعقوبيان" معبرة عن مصر في هذه المرحلة بكل سلبياتها وبكل ما وقع فيها من حراك اجتماعي، حيث صعد إلى أعلى الدرجات أقل الناس شأناً، وانهار أبناء الطبقات الأرستقراطية ولم يبق لهم إلا اجترار الماضي، سجلت هذه الرواية ما وقع ويقع في مصر من فساد وانحلال ورشوة وابتزاز وتكاد الأحداث تشير إلى أشخاص بعينهم تعرفهم بسيماهم من أفعالهم. إنه جهد طبيب الأسنان الذي بحث عن السوس في المجتمع ووجده وتعامل معه. تحية إلى المبدع الروائي طبيب الأسنان علاء الأسواني ).
|