بورخيـس يحــاور ســــابـــاتو وشيلي وأبراهام لينكولن
ملحق ثقافي الثلاثاء 20/2/2007 ترجمة: د.كمال فوزي الشرابي وضع بورخيس(*) وهو الكاتب الذي تخيل -أو حلم- بالمكتبة المثالية وقد سماها في احدى أشهر أقاصيصه«مكتبة بابل»،-اقول وضع في هذه المكتبة كتبه بطريقة شبه سرية وأحيانا غير مفهومة.
وقد صدرت لهذا الكاتب مؤخرا(الاعمال الكاملة) عن دار نشر لابلياد بفرنسا،ولكنها غير كاملة إذ استبعدت منها عدة اعمال اشترك في كتابتها مع أدولفو بيوي كاساريس وسيلفينا أوكامبو وغيرهما،وبذلك حرمتنا دار النشر المذكورة من هذه الاعمال كلها ومن عملين في غاية الأهمية لبورخيس هما (كتاب علم الحيوان الخيالي)و(دراسة عن الآداب الألمانية). هذا الوضع الغريب حقا يجعل من الكتب التي ألفها بورخيس أو اشترك في تأليفها،وبخاصة مقالاته(المتاهات)،أعمالا تمخر عالم النشر كأنها ذرات منفلتة عصية على الحصر. هذا ما حصل لكتاباته التي نشرها بين عامي 3391 و4391 في الصحف الارجنتينية.وتعتبر هذه الفترة هي الفترة التي كان ينشر فيها بخاصة مسلسلا من المقالات بعنوان (التاريخ الكوني للجوع). ثم هناك دراسات له مقتضبة نذكر منها«البعد الرابع» و«الحل»....فهي تشكل علوما نظرية يطل منها هذا المفكر على الفلسفة والرياضيات في عهدهما القديم. أما كتابه (حياة شيلّي القصيرة) فهو مدخل يثير الاعجاب الى مصير هذا الشاعر الانكليزي الذي يقول عنه ما يلي: «وكما لو ان موت شيلي، الانسان الذي كانت ايامه قصيرة جدا،كان موتا لا ينتهي: فهو في البدء اختنق بالماء،وهذا صراع،ثم انه حرق بالنار،وهذا عذاب،وأخيرا حبس في ضريح،وهذا ظلام». كذلك نعثر أيضا على عشقه للبحرية في الزمن القديم وحياة أعظم البحارة سواء كان الأميرال نلسون أو قراصنة البندا BENDA مشيرا الى حادثة لا تصدق جرت في مرفأ بوسطن عام 6481،حيث هاجم القراصنة،يترأسهم القرصان الشهير سوركوفSURCOUF،حامية هذا المرفأ... ويصور لنا كل ذلك بأسلوب يزخر بالتفنن والابداع. وأخيرا فأنه كتب لاحدى المجلات الاسبوعية سيرة الرئيس الأمريكي أبراهام لينكولن،وكان هذا الرئيس ينحدر من جد زنجي،وتم اغتياله من قبل متعصب عرقي. وعلى وجه العموم فان هذه الصفحات تشكل موسوعة رائعة عن عالم بورخيس كان يمكن ادراجها بين اعماله. ***** لا شك في أن بورخيس هو أحد كبار الكتاب على مدى القرن العشرين،ولديه مجموعة هائلة من المقابلات الصحفية والأدبية،تم نشر بعضها بالفرنسية. لكن مناقشاته مع الكاتب الأرجنتيني الشهير إرنستو ساباتو(**) لها مدلول آخر،وذلك لأن اديبين من المستوى الكبير ذاته يلتقيان ويتحاوران وجها لوجه. جرى التعارف بين هذين الاديبين في بداية الاربعينات من القرن الماضي وذلك خلال اجتماعات مجلة(سور) لدى سيلفينا أوكامبو وادولفو بيوي كاساريس. ومرت صداقتهما،باعترافهما معا،بفترات كان فيها تقارب وتباعد. ويبدو ان لقاءاتهما الأخيرة قد تأخرت الى عامي 4791 و5791. خلال خمس جلسات تمكن الاثنان من بحث عدة امور ثقافية إذ تحدثا بشكل عام عن الأدب،ثم تحدثا عن الكاتب الامريكي ادغار ألن بو وعن ثربانتس( ورائعته«دون كيخوته» التي كانت محور عدة شروح منهما)،كما تحدثا عن ستيفنسون وعن كافكا.وكان ساباتو يعرف جيدا كيف يلخص وضعه في أدب عصره.كما كانا يتكلمان عن أهمية اللغة،وهي موضوع أتاح لهما أن يحددا مكانيهما بالنسبة الى من سبقوهما من كبار الأدباء وبالنسبة الى معاصريهما. وزبدة القول أن(أوراق السبت) و(محادثات مع ارنستو ساباتو) هما كتابان يزخران بالغنى الثقافي والتجارب الابداعية والادبية من مثقفين كبيرين من أكبر المثقفين الذين عرفهم القرن العشرون.
|