تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


محطات

ملحق ثقافي
الثلاثاء 20/2/2007
_ فواز خيو

حين قامت الثورة الفرنسية قبل مائتي سنة ونيّف، كان عمري نيّفا فقط . ربما كان بعضكم في طريقه إلى الدنيا ، وربما بعضكم غادرها . قلت لزملائي وقد مات أكثرهم حتى أنا : إن هذه الثورة ستأكل أولادها. بعد فترة وجيزة جاعت الثورة فأكلت أولادها واحدا تلو الآخر ، وما زالت حتى الآن ..

ومن وقتها قالوا : إن الثورات تأكل أبناءها. حتى أن هذه العبارة ؛ استعملت غطاء لبعض ما سمي بثورات ، لالتهام أبرز أبنائها وأنجبهم ، كي لا تشذ عن القاعدة ، ثم صار أبناؤها يأكلون بعضهم في صراعات على السلطة ، تحت شعارات تصفية أعداء الثورة والشعب . وهو ليس أكثر من صراع على الكراسي والطربيزات ، وحتى منافض السجائر ..‏

رغم ذلك ؛ كانت مبادئ الثورة الفرنسية التي مهّد لها أعظم أدباء فرنسا ومفكريها، في الحرية والعدالة والمساواة ، من أسمى ما طرح للإنسانية ، خاصة أنها جاءت في خضم حروب بين أقطاب القارة الأوروبية داخل القارة وخارجها ، دفع الانسان ثمنا غاليا جدا لهذا التطاحن على النفوذ والثروة .فكانت هذه المبادئ منارة للكثير من منظري الثورات وقادتها في شتى بقاع العالم .. رغم هذا ، بقيت فرنسا وفيّة لماضيها وعقليتها الاستعماريين ، بكل ما يترافق من قتل وتدمير، وقهر كل من يستنير بمبادئ الثورة الفرنسية لتحرير بلاده من الاستعمار الفرنسي ، من الجزائر التي قدمت مليون ضحية ، إلى إفريقية، إلى بلاد الشام وغيرها . حتى أن الجيوش الفرنسية الغازية دخلت الكثير من البلدان، رافعة شعارات الثورة الفرنسية، في تناقض مخز، لا يدخل في عقل دجاجة. ولم تشهد فرنسا سوى فترات قليلة ،انسجمت فيها سياستها مع مبادئ الثورة الفرنسية ، منها مرحلة ديغول وبومبيدو ، والمرحلة الأولى من حكم شيراك . حتى أن نابليون ، وهو أحد أبرز مشتقات الثورة الفرنسية ، له مقولة شهيرة وهي : ( إن الله مع المدافع ذات السبطانات الطويلة ). ولتذهب المبادئ إلى الجحيم .. بشكل عام ، كانت المبادئ والديمقراطية وقيم الحرية الغربية ، تطبق بشكل تقريبي داخل المجتمعات الغربية ، أما خارج أوروبا ؛ فإنهم يتحولون إلى وحوش. كأن أضم ابني وأغني للطفولة بحنان شديد ، وفي نفس اللحظة أغرز السكين في قلب ابن الجيران . إنها الازدواجية ونفاق المبادئ وخيانة الذات ، قبل خيانة الآخرين .. المبادئ والقيم لا تجزّأ . لا يوجد نصف شريف أو نصف لص أو نصف انتهازي. المبادئ عدد لا يقبل القسمة حتى على نفسه .. مع كل ما ذكرت ؛ فقد كنت إلى عهد قريب ، أعتقد أن الديمقراطية الفرنسية، هي أفضل الديمقراطيات الغربية ، من حيث إتاحتها للإنسان قدرا من التعبير والكرامة . وكنت أتابع على مضض المضايقات التي يتعرّض لها الكتّاب الذين يشككون بحدوث المحرقة كما في كل الدول الغربية، إلى أن أقدمت الجمعية الوطنية الفرنسية وفي سابقة خطيرة ، تشكل أبشع اعتداء على حرية الكُتاب والحريات الفردية ، على سن قانون يدين ويجرّم كل من يشكك بحدوث المحرقة. وجاءت الأمم المتحدة الأمريكية لتصوّت على قرار مماثل ، مستفيدين من الأحداث في الشرق الأوسط، لتمرير هكذا قرار ، بأقل قدر من الضجيج .. إنهما قراران مشينان. ليس لأن المحرقة لم تحدث. سأقول أن المحرقة حصلت ، لكن أليس من حقي ككاتب أو إنسان ألا أكون مقتنعا بحدوثها ؟ أو أتبيّن الرقم الحقيقي للضحايا ، هل هو مليون أو خمسة أو بضعة آلاف ؟، أليس من حقي أن أقول أن الاتحاد السوفييتي خسر 02 مليون قتيل ومُسحت عشرات المدن عن وجه الأرض أثناء الاجتياح النازي ؟ أليس هذا العدد محرقة ؟. أين محرقة المليون جزائري على أيدي الفرنسيين ؟ وأين المحرقة العراقية الأكثر رعباً، والمحرقة الفلسطينية المستمرة منذ نصف قرن ؟. أين المحارق على أيدي الاستعمار الحديث وأزلامه ، من أمريكا الجنوبية إلى العالم العربي ، وصولا إلى جنوب شرق آسيا؟ أين المحرقة البوروندية والرواندية على أيدي قبائل الهوتو، والتي راح ضحيّتها مليونا إنسان ، بمباركة معظم دول أوروبا والأمم المتحدة ؟. إما أن نكون ضد كل دم بريء يراق، أينما كان وكانت جنسيته ، أو نكون إنسانيين هنا وفاشيين هناك . فهذه الانتقائية أصبحت مفضوحة حتى للأغبياء .. مع العلم أن بعض الآراء المنطلقة من حقيقة أن بعض أكبر مساعدي هتلر كانوا من اليهود ، تقول إن إبادات حصلت بالفعل ولكن بالاتفاق مع قادة الحركة الصهيونية؛ أولاً لتحث اليهود على الهجرة إلى فلسطين، وثانيا لتكسب التأييد الغربي لمشروعهم في فلسطين، والتعاطف الذي جّر إليهم قنوات الذهب لوضع مشروعهم موضع التنفيذ. ومنذ تلك الفترة تبتز الحركة الصهيونية ألمانيا والغرب بمئات المليارات من الدولارات، مستفيدين من عقدة الذنب عند الغرب ، و التي عقدوها بأيديهم . وإن أي تشكيك بالمحرقة قد يقود إلى عدم الاعتراف بها وهذا يوقف قنوات الذهب ، ويولد موقفا مضادا لليهود عند الغرب ، وهذا الأمر يكلفهم كثيرا كثيرا . من هنا ندرك لماذا تقوم القيامة كلما تجرأ كاتب وناقش المحرقة ولو بحيادية ، محاولا الوصول إلى الحقيقة .. ألا يشعر الألمان بعقدة الذنب تجاه بولندا التي اجتاحها هتلر خلال ساعات وحرق نصفها ؟ أو تجاه ملايين السوفييت والمدن السوفييتية ؟ أو تجاه باريس التي خاضت جزمات العسكريين بالدماء في شوارعها أثناء احتلالها ، لكثرة الدماء التي سالت ؟ إن الكُتاب ، وخاصة العرب ؛ مدعوّون للوقوف ضد هذين القرارين ، اللذين يصادران حرية التعبير ، لأهداف سياسية واضحة ، وهي خدمة المشروع الصهيوني ، واستمرار الهيمنة الصهيونية على مراكز القرار في الغرب ، مما يجعلنا وحدنا من يدفع ثمن ذلك ، ومدعوّون لمطالبة الكتاب الغربيين باتخاذ موقف مماثل، وإدانة المحارق الأخرى ، منعا لتكرارها، والمطالبة بإيقاف المحارق الحالية وأبرزها المحرقة العراقية والفلسطينية، ومطالبة الغرب برفع الغطاء عن كل الأنظمة الديكتاتورية، التي تبيح كل المحظورات وتمنع كل الضروريات ، وعلى رأسها الكلمة..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية