تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ألم يرتووا بعد من دماء السوريين ؟!!

شؤون سياسية
الاثنين 25-2-2013م
 حسن حسن

بالتأكيد، لم تعد المسألة مسألة مطالب شعبية محقة، أو مناداة بتحقيق شعارات الكرامة الإنسانية الكبرى، فدماء السوريين المدنيين والعسكريين التي تسفك كل يوم، لا علاقة لها من قريبٍ أو بعيد بالمطالب الشعبية المحقة، أو بشعارات الحرية والكرامة الإنسانية الكبرى، التي تتحفنا بها الفضائيات التي أمست تقتات رزقها من دمائنا، والتي يتشدق بها مدعو المعارضة من العواصم العالمية.

لقد فقدت الحياة الآمنة في سورية وسط بحيرة من الدماء، وخفافيش الظلام تعب دماً ولا ترتوي، والأشلاء متناثرة على أرض الوطن، والموت يصول ويجول في ساحاته، وزبانية الشيطان تزيد من إشعال نار الفتنة، وتطلب المزيد لأنها لم تحقق ما تريد، فأحرقت الأخضر واليابس، ومن وسط دخانها الأسود وضبابها الكثيف خرجت وحوش ضارية كانت تتوارى خلف اسم الإنسانية والدين.‏

والجميع يعلم بأن الإسلام رسالة حضارية وإنسانية تقوم دعائمه على الحب والتسامح وتحريم قتل النفس، وما يفعلونه اليوم باسم الدين إساءة للدين ولصورة الإسلام ورسالته، وكل مديري المدرسة الاستعمارية القديمة والحديثة بكتاباتهم واعترافاتهم يؤكدون مدى استغلالهم واستعمالهم للدين المتطرف في المنطقة، واحتضانهم للعناصر التكفيرية الإرهابية أو للعناصر ذات التطرف الوهابي للسيطرة على الشرق الأوسط.‏

ويبدو من الواضح أن الخطة الغربية، بعد فشلها في إسقاط الدولة السورية، تقضي بشن حرب استنزاف ضد سورية، مشابهة لتلك التي نفذتها عصابات الكونترا في نيكاراغوا إثر انتصاراً الثورة الساندينية في الثمانينيات من القرن الماضي، بتمويل سعودي -قطري، وذلك بغية منع الحل السياسي، والحيلولة دون استقرار سورية، وبقائها دولة قوية مستقلة مقاومة للهيمنة الاستعمارية، وهو ما يخيف أميركا وحلفاءها الذين باتوا قلقين هذه الأيام من نتائج وتداعيات إخفاق مخططهم في سورية، وتمكن الرئيس بشار الأسد من السيطرة على مقاليد الأمور، والنجاح في ضرب القواعد الأساسية للجماعات المسلحة، وتشديد الإجراءات على الحدود مع دول جوار سورية، وضبط البواخر المحملة بالأسلحة.‏

المثير للأسف هو تسلق جهات أخرى مثل مجلس التعاون الخليجي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مع السلوكيات التصعيدية الغربية والصهيونية في مناوآتها قوى جبهة المقاومة والممانعة وفي مقدمتها إيران وسورية، وهو ما يشكل سابقة في منتهى الخطورة على مستوى رهن مرتكزات الأمن العربي والإسلامي للاستراتيجية الغربية، وانقياد رموز علمانية وفكرية معروفة لما تفرضه إحداثيات حلف الناتو وممارساته العدوانية في الشرق الأوسط.‏

كما تحولت بلدان مجلس التعاون تحديداً – إلى غرف عمليات كبرى للتحركات العسكرية والاستخباراتية الأميركية والأوروبية والإسرائيلية، وقد جند مسؤولو هذه الدول ومعهم جمهرة من وعاظ السلاطين، أنفسهم لخدمة الحرب الاستعمارية المعلنة على الأمة الإسلامية باسم نشر الديمقراطيات والحريات في الشرق الأوسط، الأمر الذي يدعو للاستنكار الشديد، باعتبار أن الدول الخليجية هي آخر من يحق له التحدث في هذا المضمار، نظراً لسجلاتها الحافلة بانتهاك حقوق الإنسان وترسيخ الطائفية، وقمع المطالب العادلة لشعوبها ولاسيَّما في البحرين والسعودية، فضلاً عن تحويل أراضيها ومياهها وأجوائها أماكن مباحة وخاضعة كلياً لصولات وجولات جيوش الولايات المتحدة وحلف الناتو والعدو الصهيوني.‏

على صعيد متصل، تنظر الأمة بريبة متزايدة إلى الدور المزدوج الذي تضطلع به أنقرة في مضمار التحريض على العنف المسلح في سورية بدعوى دعم المعارضين والثوار من جانب، واستجابة تركيا من جانب آخر للخطط العسكرية الشاملة للأطلسي والاتحاد الأوروبي، واحتضان أراضيها قسماً من منظومة الدرع الصاروخية وقواعد صواريخ الباتريوت لحلف الناتو، في خطوة توجه علامات الاستفهام وأصابع الاتهام إلى هذا الدور التركي الذي يكتنفه الكثير من الغموض والشبهات، خلافاً للشعارات الإسلامية والتحررية والثورية التي يطلقها من يعتبرون أنفسهم ورثة دولة الخلافة العثمانية.‏

إن هذا ما أثار – ويثير – السواد الأعظم من السوريين، الذين يريدون أن تكون أيامهم للأمان لا للقتل، لصلة الأرحام لا للتفجع على الأحباء والأعزاء، للانطلاق إلى المتنزهات الشعبية لا إلى المقابر !!! وأن يمضوا بقية أيامهم بأعمالهم وأشغالهم، ليعيلوا أسرهم ويطعموا أولادهم، من دون أي منغصات، أو ضغط نفسي مقيت.‏

فهل من المعقول أن تصبح أيامهم كابوساً ثقيلاً بل مرعباً للسوريين؟ وهل من المعقول أن نرى بعض المدن، وكأنها في حالة حظر تجول ؟!‏

أهذه هي «السلمية» التي يريدون؟ أهذه هي أفكارهم ومشاريعهم «الحضارية» !! البديلة من مشاريع الدولة الإصلاحية «المتخلّفة» كما يدعون ؟!‏

وإذا استبعدنا نظرية المؤامرة، أهكذا يكون الحوار بين أبناء الوطن الواحد؟‏

ألا يمكن أن يكون بالكلام لا بالرصاص؟ ألا تكفي دماء السوريين التي سفكت حتى اليوم، لتجعلنا نحتكم إلى العقل بدلاً من الاحتكام إلى التفجيرات وعنف الشوارع ؟!‏

نعتقد أنه يجب على السوريين جميعاً التصدي لهذه الريح الهوجاء التي أراد لها من أراد أن تعصف ببلدنا الغالي، سواء أكانت داخلية أم خارجية، بالوعي أولاً لنشأتها وطبيعتها واتجاهها، ومن ثم بالتكاتف والتآزر، لأنها لاتفرق بين سوري وآخر.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية