قامت المجموعات الإرهابية ، وبإيعاز من أسيادها في عواصم ( قطر، السعودية، تركيا ) بتنفيذ تفجيرات دامية في المدن السورية ، وعلى مدى سنتين ، كان آخرها تفجيرات دمشق صباح الخميس ( 21/2/2013 ) ، التي حملت أطناناً من المتفجّرات المدفوعة أثمانها من ملايين الدولارات التي تتبرّع بها الدول الراعية للإرهاب ، وفي مقدّمتها ( قطر والسعودية ). وكان آخر هذه التبرعات في مؤتمر الدوحة الأخير حيث تجاوزت المليار دولار بحجة المساعدات الإنسانيّة للسوريين الذين كانوا سبباً أساسيّاً في نزوحهم وتشرّدهم ، وجعلوهم سلعة يتاجرون بها في سوق العمالة والتآمر .
لقد أودى هذا الانفجار بحياة العشرات من الشهداء ، ومئات الجرحى والمصابين ، إضافة إلى خسائر كبيرة في الأبنية والسيارات . فكان صباحاً أسود ، صباحاً دامياً ، وصباحاً حزيناً ؛ فهو صباح أسود كوجه أولئك الإرهابيين الذين حوّلوا صفاء ذلك الصباح المشرق إلى ظلام بفعل غيوم الدخان الدكناء المتصاعدة ممّا أحرقه العمل الإجرامي ، من السيارات والمباني والمعدّات المختلفة ؛ وهو صباح دام لأنّه اصطبغ بلون دماء الشهداء الطاهرة من الأبرياء ، الذين سقطوا كغيرهم قرباناً لحرية الوطن وصوناً لسيادته؛ وهو صباح حزين حداداً على أرواح الشهداء ، وتألّما على جراح المصابين بفعل أيدي الإرهاب الآثمة ، التي اغتالتهم في مدارسهم وفي الطريق إلى أعمالهم ليؤمّنوا متطلبات العيش الكريم ، متحدّين الحصار والخوف والإرهاب .
إنّ من يتابع الأحداث وترابطها ، يجد أن هذا الانفجار جاء ردّاً واضحاً على الخطوات الناجحة التي قامت بها الحكومة السورية على طريق تنفيذ البرنامج السياسي لحلّ الأزمة السورية ، وفق المبادرة التي طرحها السيدّ الرئيس بشار الأسد في ( 6/1/2013 ) لحلّ الأزمة بالطرق السلمية / السياسيّة . كما جاء بالتزامن مع عقد المنتدى العربي-الروسي في موسكو (20/2/2013) الذي أكّد شدّد على مبدأ الحوار الوطني والتخلّي عن العنف والعمل المسلّح . وكذلك مع عقد اجتماع ما يسمّى (الائتلاف المصطنع) في القاهرة ( 21/2/2013 ) ، الذي أشيع عن أنّه تنازل عن إسقاط النظام ، وطالب بالحوار مع ممثلين عن النظام .
وهذه المستجدات كلّها لم تعجب ( حمد القطري ) وعصابته من المهووسين بسفك الدم السوري ، فطالب بوقاحته المعهودة بتدخّل مجلس الأمن ، فكان ذلك إشارة إلى الإرهابيين/ المرتزقة للقيام بعمل يزيد من ضحايا المواطنين السوريين ، ويحجب الأنظار عن هذه المستجدات ، ويعرقل بالتالي المساعي لحلّ الأزمة بالحوار .. وتبعه في ذلك / داود أوغلو / الغارق بأوهام العثملية الجديدة ، إذ رأى من منظار حماقته المعروفة أنّ الوضع في سورية لم يعد مقبولاً في وجود هذا النظام ، وعلى المجتمع الدولي القيام بعمل ما تجاهه.
ألم يرَ هؤلاء المنافقون /الحاضنون لهذه العصابات الإرهابية ، والداعمون لها بالمال والسلاح ، هذه الجرائم الوحشيّة بحق الناس الأبرياء الآمنين ، الذين لا ذنب لهم سوى أنّهم يحبون وطنهم ، ولم تخفهم الأعمال الإرهابية ، فظلّوا يمارسون أعمالهم في المؤسسات والمدارس والمشافي ، ومرافق العمل المختلفة ، فكان جزاؤهم الموت في صباح أسود حالك كوجوه قاتليهم . ألم تهزّ الجانب الباقي من مشاعرهم ، مناظر جثث الشهداء المحروقة والمتناثرة في الشوارع وعلى الأرصفة ؟ ألم تحرّك ضمائرهم المخدّرة تلك الجرائم الوحشيّة التي يندى لها جبين الإنسانيّة ، وتخال كلّ الشرائع السماوية التي يتسترون بها زوراً وبهتاناً ؟ فأي جهاد هذا ، وأي نصرة للدين تلك التي تبيح قتل الأبرياء ، وتغتال بسمة الأطفال ، وتخرّب المدارس والمشافي ودور العبادة ؟
ولكن ليس غريباً عنهم طالما أن غشاوة التآمر تموج أمام أعينهم ، إلى حدّ أنّهم لم يستطيعوا من قبل رؤية الإرهابيين / التكفيريين وهم يذبحون المواطنين السوريين ، بالسكاكين والسيوف والسواطير ، كما تذبح النعاج؛ ولم يروا كيف يشوّه الإرهابيون من جبهة النصرة ورفيقاتها القاعديّة ، براءة الطفولة وهم يدرّبون الأطفال على حمل السلاح وقتل الناس وذبحهم بالسيف والسكين ؟! ولم يستطيعوا رؤية صور النساء اللواتي يعذَبن ويغتصَبن في حلب ودرعا وحمص ، والمخيمات التي أقاموها لإيوائهن والتي بلغت أكثر من (400 ) حالة في المخيمات التركيّة، ويتاجَر بأجسادهن من قبل المرتزقة والإرهابيين ؛ فهل يقبلون بذلك لبناتهم أو أخواتهم أو زوجاتهم ؟ كما لم يروا أو يسمعوا ، عن تخريب بيوت الله من المساجد والكنائس ، واغتيال رجال الدين الإسلامي والمسيحي ، وآخرهم الشيخ / صادق الجميلي / إمام جامع صلاح الدين بحلب؟
فهل هذه الأعمال من قيم الإسلام وأخلاقه السمحاء ؟ أم إنّها أعمال وحشية خارجة عن الإسلام والإنسانية ، ويفترض أن توقظ ضمائرهم المستسلمة ، وأن تندى لها جباههم المعفّرة بدخان النفط وغبار الدولار ؟. وهل هذه هي الحرية التي ينادون بها ويدعمون مرتزقتهم من أجل تحقيقها في سورية التي تشهد على مدى عامين مئات الأعمال الإرهابية ، في القتل والتدمير والتخريب ، من منظمات الفكر التكفيري الإرهابي تحت راية الجهاد المزيّف؟. فهم طبعاً يصمتون، لا يدينون ولا يستنكرون ، «والساكت عن الحقّ شيطان أخرس » ، لأنّهم شركاء في الفتنة والقتل ، وهم يعلمون أنّ «الفتنة أشدّ من القتل». بينما قامت الدنيا ولم تقعد ، لمجرّد اكتشاف خليّة إرهابيّة مؤخّراً في السعودية والإمارات العربية. وكذلك الأمر في تركيا إثر تفجير سيارة أمام السفارة الأمريكية في أنقرة .. ؟.
يزعمون أنّهم حريصون على وحدة الشعب السوري ، وعلى ضرورة إخراجه من أزمته التي شاركوا فيها. فحريّ بهم أن يكفّوا عن دعم أدوات الإرهاب المأجورة في الداخل والخارج ، وأن يلزموا هذه الأدوات بوقف عملياتها الإرهابيّة في القتل والتدمير ، والاستجابة لمنطق الحوار الوطني الشامل ،على أسس بناء سورية الجديدة «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون».ولكنّهم لم يفعلوا حتى لا تفتضح مواقف بعضهم الشنيعة. وكان على هؤلاء السفهاء / المنافقين الذين يدعون غيرة على الإسلام ، أن يمنعوا أصحاب الفتاوى التكفيرية التي تسيء قيم هذا الدين الأخلاقية والإنسانيّة ، وتحلّل الإرهاب القتل والذبح بالدم البارد ، لمن يخالف عقيدة التكفيريين وأعمالهم...فهل يرضي الله ورسوله ما يرتكبه الإرهابيون بحقّ الإنسان والإنسانيّة ، ومن جرائم بحق الشعب السوري المؤمن بربّه ووطنه ، وممّن يحسبون أشقاء أو يسمّون أصدقاء ؟!
ولكنّ الشعب السوري العربي الأصيل ، الصابر ، الصامد ، يدرك حجم المؤامرة ، ويعرف أهداف العمليات الإرهابيّة ، وسيحوّل السواد إلى بياض ناصع كبياض قلبه الطيّب الممتلىء بحب الوطن والإنسان ، الخالي من الحقد والكراهية ، والخوف من الإرهاب ، وسيردّ كيد المعتدين إلى نحورهم بوحدته وتماسكه ، وإيمانه بالله والوطن « حبّ الوطن من الإيمان » ، وسيكون له الانتصار الكبير على قوى الشر وأعداء الوطن .