محادثات السلام التي بدأت تتقدم بسرعة بين طالبان والحكومة الأفغانية كان وراءها الولايات المتحدة الأمريكية ومعها فرنسا وبريطانيا فقد بذلت هذه الدول جهودا جبارة لإقناع الحكومة الأفغانية بضرورة تقديم التنازلات لجماعة طالبان حتى يتم التوافق بينهما على خطة سلام ووقف اطلاق النار بين الطرفين فالولايات المتحدة الأمريكية التي حاربت طالبان لفترة طويلة واعتبرتها حركة ارهابية هاهي اليوم تسترضيها على حساب الدول الأفغانية وعلى حساب الشعب الأفغاني .
ورغم حالة الجمود بين الطرفين ولفترة طويلة خاصة في عام 2012 وعدم تبلور القناعة الكاملة للأطراف المتنازعة بضرورة الذهاب للحوار والسبب بعدم الاتفاق كان دائما من جانب حركة طالبان لوجود تيار متشدد داخل الحركة يمنعها من الحوار مع أي طرف من الأطراف المتنازعة في أفغانستان وخاصة الحكومة الأفغانية حتى أن هذا التيار المتشدد قام العام الماضي باغتيال العديد من قاداته الذين حاولوا مجرد الايحاء بقبول فكرة التفاوض وعلى رأسهم أرسال رحماني .
طالبان الرافضة للسلام دائما وأبدا ها هي اليوم ربما تقبل فكرة الجلوس مع القادة الأفغان جنبا الى جنب على طاولة الحوار ولكن بشروطها الخاصة فهي لا تريد السلام الا على طريقتها الخاصة وبما يضمن حقوقها رغم ما سببته من ألام ونكبات لأفغانستان ولشعب أفغانستان .
عودة الحياة الى العلاقة بين الطرفين والرغبة في احياء مفاوضات السلام بين طالبان والحكومة الأفغانية واجبارهم بالجنوح للصلح خاصة الحكومة الأفغانية حتى ولو كان ذلك على حسابها الخاص.
وعلى ما يبدو بأن الحوار بين الفرقاء بات أمرا واقعا ملموسا وضرورة ملحة للجميع وخاصة الدول الثمانية المشاركة ضمن قوات حلف الناتو المتمركزة في أفغانستان .
طالبان طالما توعدت هذه القوات بالثأر منها والنيل من كل جندي أجنبي تطأ قدمه الأرض الأفغانية وبعد معارك كر وفر لسنيين طويلة من الصراع المسلح بين قوات الناتو وطالبان من جهة وبين القوات الأفغانية وطالبان من جهة أخرى ويبدو أن الجميع باتوا على يقين تام بضرورة الاتفاق فيما بينهم لوضع الخطوط العريضة لحوار شامل وطويل الأمد .
حركة طالبان عدت هذا الأمر انتصارا لها حتى ولو هي جلست على طاولة واحدة مع الحكومة الأفغانية وقوات الناتو لأن ذلك يعني أن الناتو لم يستطع حسم المعركة في أفغانستان وأن الولايات المتحدة ومعها أوروبا غاصت في الوحل الأفغاني الذي وصل الى عنقها وأنها وقعت في مستنقع عميق لم تحسب له حساباً وأنها أي الولايات المتحدة أصبحت مضطرة الآن لإنهاء الصراع في أفغانستان لأنها تريد الانسحاب بحلول عام 2014 وهو الموعد المحدد الذي حددته لإنهاء وجودها العسكري على الأراضي الأفغانية الأمر الذي أحرج الدول الأوروبية ومعها بريطانيا وفرنسا المشاركين ضمن قوات الناتو بعد سلسلة الخسائر الفادحة التي منيت بها هذه القوات وارتفاع فاتورة الدم بين أفراد قواتها والممارسات اللاأخلاقية و غير المحسوبة لهذه القوات وعدم مراعاتها لمشاعر المسلمين في أفغانستان وفي العالم الاسلامي من خلال التجاوزات الغير مقبولة لأفراد جنود الناتو حيث قام بعض الجنود العام الفائت بتدنيس القرآن الكريم ضاربين بعرض الحائط كل القيم الانسانية والدينية للمسلمين في كافة أنحاء العالم .
هذا عدا عن الممارسات الخاطئة وعمليات الخطف الفظيعة لجنود الناتو بحق الأفغانيين مما جعل المسألة الأفغانية وجلوس جميع الفرقاء على طاولة الحوار أمرا ضروريا.
الجهود الدبلوماسية التي بذلتها فرنسا وبريطانيا لإيجاد حل وسط بين كافة الأطراف المتنازعة ومحاولتها استمالة جماعة طالبان والضغط على الحكومة الأفغانية لتقديم تنازلات حتى ولو كانت ثقيلة لإيجاد صيغة حوار بينها وبين طالبان .
المجلس الأعلى للسلام الأفغاني وهي الجهة المفوضة من قبل الأفغانيين لإدارة حوار محتمل بين جميع القوى المتصارعة على الأراضي الأفغانية وهي تحظى بتأييد الأفغانيين والتأييد الغربي لها والتي يرأسها حامد كرزاي الرئيس الأفغاني والذي أعد خارطة طريق للسلام في أفغانستان تمتد حتى 2015 بينما يرى الأفغانيون أن أول خطوة حقيقية في طريق السلام الطويل تكمن برحيل القوات الأمريكية والغربية عن أرضهم وترك الشعب الأفغاني يحل مشاكله بنفسه من غير وصاية أمريكية أو غربية وأن تترك الأراضي الأفغانية لأهلها الحقيقين فهم يستطيعون التوصل الى حلول ترضيهم وترضي طالبان ولكن بدون تدخلات خارجية .
في الحقيقية هذا ما توصل اليه الأفغانيون في نهاية المطاف وبعد سنوات طويلة من الاقتتال بين أفراد الشعب الواحد لأنهم الوحيدون القادرون على تجاوز الأزمة وايقاف النزاع بالتراضي فيما بينهما .
الجيش الأفغاني الذي استمع الى الكلمة التي ألقاها الرئيس الأفغاني حامد كرزاي في كابول في احدى المواقع العسكرية للقوات الأفغانية الذي بدا وكأنه يميل الى ايقاف اطلاق النار مع طالبان وهو يمد يديه كما صرح كرزاي الى قادة طالبان لإجراء حوار شفاف من أجل مستقبل أفضل لأفغانستان .طالبان تبدو أنها موافقة على التفاوض ولكنها في الجانب الأخر تريد ضمانات للدخول في حوار شامل مع الحكومة الأفغانية .
الأفغانيون المسرورون هذا العام باختيار مدينة من مدن أفغانستان وهي غزنة عاصمة للثقافة الاسلامية في أسيا في عام 2013 وهي المدينة المدمرة والمحاصرة من طالبان . حيث تقع غزنة على بعد 140 كيلومترا الى جنوب غرب العاصمة الأفغانية كابول على طريق مدينة قندهار والتي يعمل أهلها اليوم بمساعدة فريقا ألمانيا بإعادة اعمار المدينة الأثرية التي دمرتها طالبان وهم يريدون من الحكومة الأفغانية الدخول في مفاوضات مع طالبان لأجل اعمار واحياء تراث مدينتهم لأن الصراع بين الطرفين وحصار طالبان لمدينتهم يعيق العمل في المدينة ويعرضها للخطر فغياب الأمن في أفغانستان بات يهدد كل شيء البشر والحجر . حركة طالبان تهدد كل شخص يدخل المدينة المذكورة بالاختطاف أو القتل خاصة الأجانب منهم . فكيف لمثل هذه المدينة المحاصرة من طالبان أن تصبح عاصمة الثقافة الاسلامية في أسيا لعام 2013 . ورغم الحصار ورغم مأسي الشعب الأفغاني فإن فرحة الأفغانيين بشكل عام وسكان المدينة الفائزة بشكل خاص أكبر من تهديدات طالبان وخطرهم . ويأمل سكان مدينة غزنة والى جانبهم الشعب الأفغاني كله أن يناموا ويستيقظوا ليروا أرضهم خالية محررة من قوات الناتو ومن جماعة طالبان وهم يأملون أن تصل جميع الأطراف المتنازعة على الأراضي الأفغانية بالوصول الى حلول ترضي الجميع وترجع البلاد كما كانت أمنة ومستقرة وهم ينظرون الى عام 2014 بعين تملأها الأمل بغد أجمل بعد رحيل قوات الناتو عن الأراضي الأفغانية وانضمام جماعة طالبان الى مكونات المجتمع الأفغاني وتركها للسلاح وانخراط مسلحي طالبان في الجيش الأفغاني الذي يدافع عن أفغانستان ككل وليس عن مناطق معينة تريد طالبان أن تديرها كيفما تريد وتجعلها مرتعا خصبا لتنظيم القاعدة الذي عاث فسادا وتقتيلا على الأرض الأفغانية ودمر البنية التحتية للبلاد .