وإن دارت الشكوك في نفوس البعض حول هذا الواقع فما عليهم سوى العودة والاطلاع على الكيفية التي تعاطت بها لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ مع السيناتور تشاك هاغل خلال جلسة الاستماع التي عقدت بغية المصادقة على تعيينه وزيراً للدفاع.
إن ممارسة الضغوط على إيران لم تعد مجرد توجهات سياسية يتبناها الكونغرس بل باتت إحدى طقوس هذا المجلس وأصبحت موضوع قناعة وإيمان راسخ لدى كل عضو من أعضائه باعتبارها ايديولوجية يتبناها جميعهم.
إن هذه الحقيقة المرة التي تثير في نفوسنا الحزن والأسى تعرفها طهران حق المعرفة لذلك لم يتورع أية الله علي خامنئي القائد الأعلى لإيران عن القول في الأسبوع الماضي (عقب فرض إدارة أوباما لمزيد من العقوبات التي طالب بها الكونغرس) بأن إيران لن تقدم على التفاوض مع أميركا بأي ثمن بل إنها تريد شريكا جديا وحقيقيا تتفاوض معه وتتمكن من الثقة بالوعود والعهود التي يقطعها عند الاتفاق على تطبيع العلاقات التي تتطلب بالضرورة تقديم تنازلات متبادلة بين الطرفين.
وفي الحين الذي مازال به الكونغرس يؤكد بأنه من غير المحتمل إجراء محادثات ثنائية بين طهران وواشنطن في موعد قريب فمن الثابت بأن الولايات المتحدة وإيران ستجريان لقاء للتفاوض بشأن البرنامج النووي بحضور مجموعة 5+1 في كازاخستان بتاريخ 26 شباط.
نتساءل ماذا يستطيع الرئيس أوباما إتخاذه من أجل تفعيل دور الدبلوماسية في ضوء القيود التي فرضها الكونغرس إزاء هذا الموضوع؟ والإجابة أصبحت واضحة ألا وهي البحث عن خيارات سياسية لا يكون للكونغرس من دور فعال في رفضها.
بتقديرنا بأنه قبل البدء بأي مفاوضات حاسمة يتعين على الرئيس الأميركي اتخاذ عدد من الإجراءات وهي:
أولا، عليه قبل البدء بالمحادثات والتعهد بأنه في حال قدمت إيران تنازلات ذات أهمية بشان برنامجها النووي فإنه سيعلن عن تعليق العقوبات المفروضة عليها ويلغي مصادرة الأصول التي سبق وأن صدرت أوامر تنفيذية بها، علما بأن لدى مكتب السلطة المالية في وزارة الخزانة الأمريكية الامكانيات والحرية الواسعة التي تُمكن أوباما من تخفيف الضغوط على إيران. ولا ريب بأن قطع تلك الوعود والعهود سيعطي إشارة لطهران بأن واشنطن ستلتزم بالاتفاق الذي يتم بينهما وسيعطي ذلك إشارة لحلفاء الولايات المتحدة لتغيير نهجهم حيال إيران وسيكون لزاما عليهم إعادة النظر في موقفهم من السياسية الإيرانية في ضوء ما يحصل من اختلاف بالسياسة الأمريكية بين ولاية أوباما الأولى والثانية.
ثانيا، في الأحوال التي لا يتمكن بها الرئيس من فرض أو إقناع الكونغرس بتوجهاته يتعين عليه التعاون مع الاتحاد الأوروبي وغيره من الحلفاء مثل كوريا الجنوبية واليابان وكندا واستراليا لرفع عقوباتهم التي فرضوها على إيران إذا تم التوصل إلى اتفاق معقول.
لقد تم اتخاذ إجراءات برلمانية وقرارات تنفيذية لاعتبارات سياسية وبضغط من اللوبيات في تلك الدول التي نصت على عدم التعاطي مع إيران لكن بإمكان الحكومة الأميركية ممارسة الضغوط على حلفائها بغية تجاوز «السياسة المحلية» والتعاون مع واشنطن في بذل الجهود والمساعي للتوصل إلى تسوية بشأن الأزمة النووية الإيرانية.
إن العمل مع حلفاء أميركا يمثل إشارة إلى العالم أجمع وإلى الكونغرس بأنه مثلما استطاع أوباما توحيد العالم الغربي ضد إيران (بتعبئة الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين على مدى السنوات الأربعة الماضية) فإنه يستطيع أيضا توحيد تلك الدول وتحقيق توافقها حول الموضوع الإيراني عندما تدعو الضرورة.
من خلال بذل الجهود وتوحيد الصفوف بشأن الإجراءات المزمع اتخاذها حيال إيران فإن الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين قد يتخذون موقفا بطوليا يفضي إلى حفظ ماء وجههم تجاه القيادة الإيرانية. ويمكّن اوباما من تغيير سياسته والتمهيد لنجاح دبلوماسيته، وتنشيط قدرات الأمم المتحدة النائمة واستخدامها لصالح المفاوضات المقبلة دون الخضوع لمعوقات تصدر عن الكونغرس. وعلى سبيل المثال باستطاعة وزير خارجيته العمل مع أعضاء مجلس الأمن للتوصل إلى إصدار تعهد من خلال بيان رئاسي بأن هيئة الأمم ستعمد إلى رفع عقوباتها الدولية ضد إيران في حال تم التوصل إلى اتفاق دون الأخذ بالاعتبار ما كان قد صدر من قرارات حيال هذا الموضوع.
إن قرارات الامم المتحدة غير الملزمة ستمثل حافزا لإيران لتقديم تنازلات أكثر علما بان أي تعاون تقدمه سيقابل بمعاملة بالمثل. وسيعطي الدول الغربية ضمانة إلى أن تبني نهجاً أكثر مرونة بشأن تخصيب اليورانيوم لن يخرق قرارات الأمم المتحدة السابقة تجاه إيران ولن يؤثر سلبا على مجلس الأمن.
في هذا السياق، فقد سبق لوزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي أن صرح بأن بلاده على استعداد لإعطاء إيضاح لفتوى أية الله خامنئي حول التسلح النووي وتعارضه مع المعتقدات الدينية في إيران ووضعها بتصرف مجلس الأمن على أن يقابلها بالضرورة وثيقة تصدرها الأمم المتحدة، وإن وضع كلا الوثيقتين على طاولة المفاوضات سيساعد في تعزيز الثقة بين الطرفين قبل بدء المفاوضات.
لقد مضى أكثر من عقد من الزمن على ممارسة الغرب لضغوطه على إيران دون أن يتم التوصل إلى عقد صفقة بشان برنامجها النووي، لذلك فإن أمر تغيير ما نهجه الغرب على مدى تلك السنوات أصبح في محله وعلينا أن نعلم بأن الوقت قد أخذ ينفذ من بين أيدينا والكرة الآن في ملعب الرئيس أوباما.