ربما تخونه الوسيلة تارة، او يخذله قلمه تارة أخرى، لكنه لابد أن يعود إلى حضن أمه الدافئ وهو وطنه، يزود عنه، ويرفع شأنه، ويحافظ عليه بما يملك من أدوات، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، ترى هل استطاع هذا المثقف أن يخرج من قوقعته الصغيرة ليدخل ذاك الفضاء الشاسع ويواكب تلك التقنيات الحديثة في إيصال رسالته إلى كل من به صمم ليقول نحن أصحاب الحق، فإن كان لباطلكم جولة فلحقنا لاشك جولات وجولات.
جعفر: ضرورة تكثييف الجهود وتضافرها
يقول نذير جعفر - باحث: قبل أن أدخل في تحديد دور المثقّف أود الإشارة أولا إلى أن المثقفين ليسوا كتلة متجانسة في مرجعياتهم ومواقعهم الاجتماعية والطبقيّة وتوجهاتهم ورؤاهم الفكرية والسياسية. ومن هنا تتباين مواقفهم وأدوارهم مما يحدث هنا أو هناك. وقد تصل تلك المواقف المتباينة إلى حدّ الصراع والتخوين فيما بينها كما هو الحال في واقعنا العربي والسوري الراهن. ولكن تبقى البوصلة الرئيسة في تحديد مهمّة ودور المثقّف كما أراها متمثّلة بالانحياز للوطن عندما تتهدّده المخاطر أو تمسّ سيادته. وسورية اليوم ساحة تجاذبات مصالح إقليميّة ودولية بعضها يمسُّ بسيادتها وهويّتها ويهدّد مستقبل أبنائها, كما أصبحت ساحة استقطاب للفكر المتطرّف ومسلّحيه تحت عناوين «الجهاد»!! ومن هنا يبدو الدور الأساس للمثقّف الآن هو التنوير وكشف حقيقة ما يحدث ومواجهة الحرب الإعلامية بجبهة ثقافية وطنية متعاضدة ومتآزرة وذات مصداقية تعمل على الحدّ من تأجيج العنف والنزعات ما قبل الوطنية وعلى ترسيخ مفهوم المواطنة الحقّة وسيادة القانون وتدعو لتحقيق تطلعات الشعب بالطرق السلمية والحوار الحر الجريء غير الممالئ لطرف على حساب الآخر.
إن تفعيل دور المثقّفين السوريين الآن منوط بفتح المنابر والوسائل الإعلامية والثقافية أمامهم بمختلف أطيافهم ليدلوا بآرائهم المتباينة تحت سقف الوطن والحفاظ على أمنه وسيادته. وذلك يستدعي إجرائيا توجيه دعوات شخصيّة لهم وتشكيل فريق عمل في اتحاد الكتاب وفي وزارة الثقافة وفروعهما في المحافظات مهمته عقد الندوات المحليّة من جهة ودعوة المثقفين العرب لعقد ندوات مفتوحة ومؤتمرات على مستوى واسع في بعض عواصم البلدان العربية والأجنبية أيضا. لقد ساهم المثقف اللبناني والفلسطيني والأردني والمصري في مواجهة المعضلة التي يمرّ بها بلدنا فيما بقي مثقفنا ومؤسساتنا الثقافية في حالة سبات باستثناء ما فعله اتحاد الكتاب في هذا المجال وهو دون الطموح بكثير وما ساهمت به بعض الحالات الفردية المحدودة. إن تعليق دور المثقف السوري وتقاعسه على شمّاعة الظرف الموضوعي ومخاطر الطرق ولعلعة الرصاص هو استسلام للواقع وليس محاولة لتجاوزه وتحديه. وآن الأوان لوزارة الثقافة كي تخرج عن روتينها وصمتها وتدعو المثقفين السوريين والعرب والأجانب لعقد مؤتمرات وندوات بهذا الخصوص تضمّ أطيافا متعدّدة في انتماءاتها الفكرية والإيديولوجية ممن توجههم مصالح الوطن في المقام الأول لا مصالح هذا أو ذاك.
سحيم: المثقف الفارس الأول للكلمة والبيان
يقول الأديب كمال سحيم: أن أدوات المثقف لم تتبدل حقيقة لكن هناك تجليات لبعض المثقفين ممن أدركوا قبل غيرهم أن من يعادي هذه الأمة لا يمكن أن يكون صديقاً لها، وأدركوا أن التعاطي المؤثر بالنسبة للمثقف الحقيقي يجب أن يكون ذا بعد معنوي وإنساني ورسالي وأن دور المثقف الحقيقي يكمن في التصدي لكل المشاريع التي تستهدف بلاده، فهو الفارس الأول المتسلح بالكلمة والبيان ومن يحمل نفساً مريضة ولا يرقى إلى الرسالة الإنسانية وتأخذه الرياح يمنة وشمالاً تلك النفس المتعبة الأمارة بالسوء والمتآمرة على تاريخ هذه الأمة وحضارتها وعلى حجم الأوكسجين النظيف الذي يتنفسه في الوطن العربي ويأخذ أثمان مواقفه من بعض المتآمرين على بلده، يجب أن يقصى ويستأصل ويستبعد فلا مكان له في بلد العروبة والمقاومة والعدالة..
أما منهجيتنا فيجب أن تركز على تطوير أدواتنا لتفوق الإعلام المتآمر الذي استطاع ان يمتلك الهواء والفضاء وهذا ليس بالأمر الصعب فسورية كانت وما زالت صاحبة الرسالة الأزلية التي تحمل في طياتها المبادئ والقيم وروح العروبة.
وأخيراً يمكن أن نقول على المثقف العربي أينما وجد أن يؤسس لمنطلق فكري ناضج لإزالة هذا الركام من الركود والنهوض من جديد فالوطن ينادي أبناءه المخلصين المثقفين للذود عنه ولا أشك لحظة أنهم يلبون هذه الدعوة بكل ما يحملون من مواطنة صالحة وانتماء صادق.