دوما بشكل من الأشكال، فكان مبدعوه مشغولين بها إلى حد كبير، وحملت أدواتهم الإبداعية كل ما يقاربها، والمتتبع للأعمال السورية يرى ذلك بأم عينه صرح مبدعوه بذالك، أم لم يصرحوا، فأعمالهم تتحدث عن انشغالهم بذلك الهم، حيث بحثوا فيه، وقدموا قراءات وإجابات وهواجس، فمنهم من قدم قراءة عن الأزمة، ومنهم من حارب معاناة الإنسان السوري، وصور الموت المحيط به مثل عرض (ايمتى رح يطلع الضو) ومنهم من بحث في أسباب ومفاهيم مهدت لها ومنهم من قدم مقترحات الحل عبر الحب والحوار مثل (بانتظار المطر)ومنهم طرح تساؤلات واسعة حولها مثل (الثرثرة الأخيرة للماغوط) ومنهم من قدم الأزمة من منظور تاريخي جريء مثل (طبق الأصل) وغيرها الكثير، من هنا حمل المسرح السوري مقاربات كثيرة وكان لمبدعيه محاولاتهم المستمرة، فقدم كل منهم كلمته، فحمل المسرح كما هومبدعيه مسؤوليتهم الثقافية والوطنية، وقدموها من خلال رؤية أبدعية مختلفة، ليحضر دور الثقافة المؤثر بشكل عام والمسرح بشكل خاص، مما أبرز الملامح الخاصة لإبداعاته وأدواته الابداعية، على ضوء قراءة الأزمة، فماذا عن المنهجية المطلوبة والطروحات الملحة.؟ حول ذلك كان لنا اللقاءات التالية، والبداية كانت مع الدكتور تامر العربيد فقال:
الأزمة السورية موجعة لكل السوريين، مثلما هي بالنسبة للمعنيين بالشأن الإبداعي، فالأزمة تتطلب أن تشاهد من باب الوطن، الذي يضم الجميع، فهومتنفس للجميع ومساحة للحياة الآمنة، ومازال صورة للتآخي والمحبة، وهوالذي يضرب جذوره عميقا في التاريخ، وحتى من منطق الثقافة، سورية هي أم الدنيا، فهي أم الأبجدية ومهد الرسل والبشارات، ومن سورية انتشرت النبوءات وانتعشت، والثقافة السورية حملت كل المقومات الإنسانية، ومنذ البدء انطلقت بالإنسانية والإنسان، وكل مايحتفي بملكاته وإبداعاته وعطاءاته البحثية، حيث لم يحسب يوما حساب الانتماء المتطرف أوالانتماء الضيق، إنما كانت ثقافة إنسانية بالمعنى المطلق، من هنا فان دور المبدع التركيز على هذه النقاط، ومن هنا يجب أن نعيد الثقة بحالة الانتماء وقيم الجمال المتلازمة مع تاريخ هذا الوطن، وكل ما يجمع الناس، كي تبقى سورية هي المنارة، ولا شك بان للثقافة دورا كبيرا في هذا السياق، وقد اتضح بشكل جلي إهمال التثقيف والتوعية، وبالتالي يجب العمل على إعادة بناء الإنسان وإعادة بناء السلوكيات، وبلورة المفاهيم الإنسانية بالشكل الأمثل، كما هي إعادة الثقة بملكاتنا يجب أن نتعب على الإنسان، وعلى تنقية الشوائب التي أفرزتها الأزمة، والعمل بروح التفاؤل والانتماء، فقراءة الأزمة تؤكد انه من الضروري، أن نهتم بكل ماله علاقة بالثقافة وبالتربية، وبناء الفرد بشكل إنساني حتى نتجاوز هذا الظلام، الذي ظهر في السلوكيات المتطرفة، الغريبة على مجتمعنا السوري، فالتطرف فكر دخيل علينا البحث، والعمل، لاجتثاث أسبابه عن طريق الثقافة ووسائلها العديدة، ومنها المسرح، لأنه جزء من المشهد الثقافي، ويجب أن يعمل المسرح كما كافة الفنون والوسائل الثقافية، على كل ما يساهم في إعادة بناء الإنسان، فتتضمن الأعمال كل ما يساعد تجاوز حالة الإحباط، وكل ما يعيد لبلدنا القها المعهود والمعروف عنها، ومحاربة السلبيات التي أفرزتها الأزمة، كما الاهتمام بالتوعية حول الحقوق والواجبات، وترسيخ مفهوم الإيمان بالحوار كحل دائم، للوصول كي تكون الحياة أجمل في سورية، ولا شك على أن العمل على هذا الجانب، يجب ان يكون في كل الاتجاهات، وليس في المسرح والثقافة فقط، فالنهوض بالمرحلة المقبلة، تقع مسؤوليتها على كل إنسان ومبدع ومثقف، وكل من موقعه، دون أن ننسى أهمية التركيز على المصارحة لأنفسنا والمكاشفة بالسلبيات، نعترف بها لأنه بمجرد الاعتراف، نضع أنفسنا على طريق الحل، لتجاوز كل ما هوسلبي، ولا بد من القول على أن العمل على هذه النقاط، يجب أن يحتل الأولوية في الطرح أن كان في المسرح، وغير المسرح ولا شك بأننا مطالبون بالمساهمة جميعنا، كي نتجاوز ماحصل، وكي ننطلق لبناء صورة جديدة لبلدنا وإنساننا، صورة قائمة على التآخي والتسامح، وتقديم الرسالة النبيلة المطلوبة دوما من الإنسان السوري، كل ذالك يجب أن يكون منطلقا للعمل في المرحلة القادمة
أما الفنان والمخرج المسرحي (مأمون الخطيب ) قال:
رغم أن للمسرح دوره الريادي كوسيلة ثقافية تقرأ الواقع، وتقدمه، وتطرح الاسئلة الدائمة حوله، ألا أن ما يحصل على الأرض، من هدر للدم السوري من قبل المتطرفين والتكفيريين، يجعلنا نفكر قبل الشروع بأي إبداع، أنه لابد من إيقاف سفك الدم السوري، ووقف هؤلاء المتطرفين، لان ثقافة القتل التي يمارسونها على الأرض، تخرس أي إبداع وأي محاولة للعمل نحوه، وتكبل أي عمل ثقافي، كما تقيد أي ثقافة أخرى ما عداها، فهي تقصي الآخر بالشكل المطلق، وهذا بمجمله يوجه إلى مسالة إعادة بناء الإنسان، وبناء العقل المدني والوعي، والتمسك بثقافة إنسانية حقيقية، تتكرس على الأرض، وتتعمم كي تجابه تلك الثقافة الظلامية، ويتوجب البدء فيها والتركيز عليها، بدءا من المدرسة إلى الأسرة إلى الجامعة إلى المسارح وكل الوسائل الثقافية، وإلا سيقتل هذا الإبداع إلى الأبد، ولن يكون هناك أي إبداع، فهناك ضرورة تفر ض نفسها بمحاربة هذا العقل التكفيري والإرهابي وثقافته المقيتة، ودحرها في كل الاتجاهات، لترسيخ الثقافة البديلة التي تحترم الإنسان.