فالعنف اللفظي أوالجسدي و حتى المعنوي جريمة إنسانية بحق الطفولة .. و كشعوب حضارية وضعوا القوانين الانسانية و بنود الاتفاقيات الدولية لحماية الأطفال من أي انتهاك يلامس براءتهم أو حقهم بحياة آمنة سعيدة ..
حق الحياة و الانتماء و الهوية و التعليم و الصحة و تنمية المواهب و المهارات..من حق أطفالنا أسوة بأطفالهم، إلا أن ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين لم تقتصر على السياسة و لم ترحم أطفالنا و طاردتهم ببيوتهم و مدارسهم .. نعم أطفالنا اشتاقوا لبيوتهم و افتقدوا لمدارسهم .. كما حنوا لألعابهم و لأحلامهم السعيدة ..
" سيدرة " ذات الست سنوات كانت مصرة على تبديل وسادتها كلما استيقظت ليلاً و قد بدا الذعر يقفز من عينيها، وكأن الكوابيس تنبع من الوسادة وعفاريت الموت تتطاير منها و تغرقها بالدماء والجثث المشوهة،جربت كل وسائد أفراد الأسرة على أمل أن تحظى بمنامات سعيدة و لكن دون جدوى،اقترحت أن تبتاع وسادة جديدة عليها بعض صور أبطال الرسوم المتحركة ك باربي و فلة بألوان زهرية .. و تمنت ليلة هادئة وأحلاماً هانئة وأعدت العدة للتحليق في عالم طفولي وردي، إلا أن الكوابيس المفزعة لم تفارق ليلتها و الرعب كان رفيق فراشها .. والصراخ ينتشلها من سريرها كالمجانين .
ذكريات مشوهة لطفولة حزينة، ليست أفلام رعب أو شخصيات خيالية مفزعة لمصاصي الدماء أو مخلوقات فضائية .. بل هي شخصيات من الواقع المؤلم وأحداث عنيفة حقيقية شاهدوها بأم العين، حيث تصف هذه الطفلة كغيرها من الأطفال شهود العيان مشاهد الدماء و الجثث المشوهة الملقاة في الشوارع، بدت لي وهي تروي تلك الأحداث و كأنها عجوز تسعينية، غزا الهم قلبها الصغير خوفاً على أمها و أبيها و أخوتها، في كل ليلة تراهم جثثاً ملقاة، كلما وضعت رأسها على الوسادة و استسلمت للنوم ترى بيتها مهدماً، و هي هائمة على وجهها مشردة يتيمة .
أليس من حق أطفالنا أن يعيشوا طفولتهم في دور الحضانة و الرياض و المدارس والحدائق وعالم من اللهو والترفيه دون خوف، أم أن أقصى أحلامهم أن ينعموا بليلة هادئة لا يشوبها صوت الرصاص وهدير القذائف وفزع الفقدان؟ هل باتت الوسائد بلا كوابيس حلماً بعيد المنال ؟ أم أن الأحلام السعيدة حكراً على أطفالهم لا أطفالنا ؟