إضافة إلى التدخل العسكري المباشر من جانب القوات الفرنسية المرابطة في أبيدجان تحت اسم « ليكورن» /1700 جندي/ بالتوافق مع قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام العاملة في ساحل العاج منذ سنة 2004 والتي يزيد عددها على العشرة آلاف عسكري، وهي القوات التي فوضها قرار مجلس الأمن رقم 1975 الصادر بالإجماع في 30 آذار الماضي، الذي ينص على استخدام الأمم المتحدة كل الوسائل الضرورية لمنع استخدام الأسلحة الثقيلة ضد السكان المدنيين في العاصمة أبيدجان.
ويجمع المحللون الغربيون على أن القوات الفرنسية أسهمت إلى حد كبير في إلحاق الهزيمة العسكرية بلوران غباغبو، الذي رفض الاعتراف بهزيمته في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 28 تشرين الثاني 2010، وفاز فيها الرئيس الحسن وتارا، المعترف به من قبل هيئة الأمم المتحدة والدول الغربية كافة والاتحاد الإفريقي.
وكما هو الحال في التدخل العسكري في ليبيا كانت ذريعة حماية المدنيين هي النقطة الرئيسية التي اعتمدتها الأمم المتحدة في القرار الصادر عن مجلس الأمن رقم 1975 القاضي باستخدام القوة العسكرية، بيد أن المقارنة مع ليبيا، تمثل عقدة إضافية للاستراتيجية الفرنسية حين يتعلق الأمر بساحل العاج، نظراً لثقل الماضي الكولونيالي لفرنسا في هذا البلد الإفريقي.
فعلى الصعيدالعسكري يوجد حوالي 5200 عسكري فرنسي مرابطين في ساحل العاج، وهي القوات التي حالت دون تقدم المتمردين سواء من الشمال أم الغرب تجاه المناطق الجنوبية التي تسيطر عليها القوات الحكومية، إلى جانب كونها القوة الوحيدة القادرة على الحفاظ على وقف إطلاق النار بين الفصائل المتناحرة، غداة انفجار الحرب الأهلية /2002-2006/.
ويتساءل المحللون: هل عادت فرنسا من خلال تدخلها العسكري المباشر في كل من ليبيا وساحل العاج للعب دور«شرطي إفريقيا»؟
رغم إن فرنسا لا تزال تمارس سلطة الوصاية في عشرين بلداً من إفريقيا، بيد أن تأثير القوة الاستعمارية الفرنسية في إفريقيا كان يزودها دائماً بخزان مهم من الأصوات في المحافل والهيئات الدولية، ولاسيما الأمم المتحدة،وحتى تاريخ سقوط جدار برلين، كانت فرنسا تعتبر « شرطي إفريقيا» الجيد ، لكن مع سقوط 40000 شخص ضحايا الحروب في المستعمرات الفرنسية السابقة، منهم النصف في تشاد ، والمجازر المروعة في بروندي عام 1994، أضحت فرنسا قوة غير فعالة لكي تحافظ على السلام في إفريقيا.
والآن بررت فرنسا تدخلها العسكري في ساحل العاج لأن الوضع لم يعد محتملاً بسبب عناد لوران غباغبو، الذي رفض الإقرار بمبدأ التداول السلمي للسلطة في أبيدجان، وعدم قدرة قوات الرئيس حسن وتارا على حسم الوضع عسكرياً.
يرى بعض المحللين الفرنسيين أن ثمة عاملين يحددان الموقف العنيد للوران غباغبو بعدم التخلي عن السلطة بأي شكل من الأشكال: الأول أن غباغبو لا يرى في الرئيس الحسن (وتارا سوى أجنبي ينتمي تحديداً إلى قومية الموسى التي تقيم في بوركينا فاسو، والتي يحتقرها كثر من سكان ساحل العاج منذ زمن بعيد). والعامل الثاني هو غباغبو مقتنع بأن وتارا قد« أفسد» عليه ولايته الرئاسية الأولى /2000-2005/ بشن الحرب عليه، وهو لم يتوقف عن التكرار أثناء حملته الانتخابية عام 2010، إن تمرد الضباط الشماليين عام 2002، الذي يؤكد غباغبو أنه تلقى التسليح والتمويل من وتارا، قد منعه من تقلد الحكم كما ينبغي وعليه ، يبدو تسليم السلطة إلى الحسن وتارا يعادل، من وجهة نظر غباغيو، الاعتراف بالهزيمة أمام النظام العسكري ، وهو ما لم يقره اتفاق السلام الموقع في واغادوغو 2007.
رغم أن القارة الإفريقية بدأت تنعم بالتحولات الديمقراطية منذ نهاية الحرب الباردة في مطلع تسعينيات القرن الماضي، والتي سقط فيها واحداً تلو الآخر أنظمة الحزب الواحد، ووضعت الدساتير التي اعتمدت الديمقراطية الليبرالية، بيد أنه مع بداية سنوات الألفية الثالثة شهد الكثير من البلدان الإفريقية تراجعاً كبيراً في مجال البناء الديمقراطي، بل إن بعض دول إفريقية الغربية والوسطى شهدت حروباً أهلية حقيقية، وباتت الحرب الأهلية منذ العام 20٠2 عنواناً لبلد مشهور باستقراره مثل ساحل العاج، الذي تحول فيه الرئيس المنتهية ولايته لوران غباغبو إلى نوع من ملك بحكم الأمر الواقع.
الرئيس الحسن وتارا البالغ من العمر 70 عاماً فولز سنة 1941 في ساحل العاج، وأنهى دراسته الثانوية في فولتا العليا/بوركينا فاسو حالياً/ ولمع خلال دراسته الاقتصاد في نيويورك،حيث أصبح مديراً مساعداً في صندوق النقد الدولFMI، ونظراً للصفات الليبرالية التي يتمتع بها الرئيس الحسن وتارا، فهو يعتبر الصديق الشخصي للرئيس نيكولا ساركوزي، وللرئيس الأميركي باراك أوباما.
الرئيس الحسن وتارا يترأس الآن دولة ساحل العاج التي يبلغ عدد سكانها 21 مليون نسمة، والتي عانت من عشر سنوات عجاف من الحرب الأهلية، وهي دولة مفلسة في ظل تراجع اقتصادها الذي كان يعد من الاقتصاديات المزدهرة في القارة الإفريقية، فضلاً عن الغياب الكلي للمؤسسات الدستورية في ساحل العاج.
كاتب تونسي