لم تتبع سورية أحداً يوماً فكيف نكون تابعين للخرائب ونحن أبناء وطن عظيم وحده السوري في قاموسنا الوطني وعبر تاريخ العرب الحائر يعرف ويعلمنا كيف نرسم ملامح الكرامة والشرف والقوة في الحبر والسلوك العربي، وحدها سورية بالألف العالية بقيت ويفترض أن تبقى شامخة عزيزة منيعة، وما يحصل لا علاقة له لا بالبذار السوري ولا بالتربة السورية ولا بالتاريخ السوري ولا بالوفاء السوري، المسألة مسألة وطن هو سورية سوريتكم وسوريتنا وسورية العرب بالألف أعني الرقم الصعب والاستراتيجية المشرقية المنكبة والجيوسياسية الدقيقة الرسم والتي وقفت في وجه العالم كله في أحلك الظروف وأعقدها وأصعبها، فماذا ترى بعضكم فاعلون أو يفعلون؟ نعم سورية تقولون أميركا وبريطانيا وفرنسا والنمسا وبلجيكا وروسيا وكندا وغيرها من الدول العظمى الراقية الكبرى، هذا هو حجمكم وهذا هو موقعكم وهذه هي دبلوماسيتكم وهذه هي مطابخكم التي تحرك العالم وتعلمه وتلبكه كيف يخرج بعضكم إلى الأراضي الواطنة ليجعلكم دولة مثل باقي الدول المتحيرة المتعثرة الضعيفة الواقفة على أبواب الأمم؟
أتذكرون معي القبعة الكحلية التي كان الرئيس حافظ الأسد يعتمرها في أواخر أيامه في خلال لقائه رئيس أميركا في سويسرا؟ نعم في سويسرا، أتعرفون لماذا؟
لأن سويسرا مساحة دولية أو مدولة، فلا الرئيس الأميركي كان يتنازل بأن إلى سورية ولا الرئيس المغفور له أبو سليمان كان يقبل بأن يذهب إلى أميركا، قبل أن يلتقيا كان الوفدان السوري والأميركي يفاوضان حول أصول المحافظة على الكبرياء ويقيسان الكرامة بالخطوات والأمتار وحتى السنتميترات تحضيراً للقاء رئيس أعظم دولة في العالم مع رئيس أعظم دولة عربية في الشرق، نعم أنتم دولة عظمى إن تناسى بعضكم ذلك، يكفيكم أن تقرؤوا الكثير من المذكرات والتصريحات الغربية كي تتذكروا عظمة وطنكم ونحن في لبنان، إليكم نسند رؤوسنا وفوق طاولاتكم وضعنا ملفاتنا وهمومنا ومشكلاتنا وسنبقى نتشارك في كل ما يصب في منعتنا وقوتنا بعدما اختلى الرئيسان السوري والأميركي، وبعدما كان هذا الأخير قد اعتذر من الرئيس حافظ الأسد للانسحاب لقضاء حاجته مرتين في أثناء اللقاء الطويل، ونحن وأنتم تعرفون معنى أن يعتذر رئيس دولة عظمى من رئيس دولتكم، خاطبه قائلاً عند الوداع: جميلة هذه القبعة رد الأسد شاكراً قائلاً: لن أستطيع تقديمها اليكم، لكونها تمثل شعبي قدمها لي كي أرفعها فوق رأسي، وأنا لن أقدم شعبي لكم ولا لغيركم.
- ماذا يقدم بعض هذا البعض السوري الرافض اليوم إلى الخارج الأميركي أو الغربي أو العربي أو الإقليمي، سواء أكان يدري أم لا، غير التخلي عن عظمته وعظمة تاريخه، في وقت تنهار فيها الكثير من الهياكل في الدنيا لحفاظ بعض الدول على صفاتها العظمى؟
صدقوني. نحن نتمنى أن يكون الدكتور بشار الأسد رئيساً لنا يقولون هنا كل يوم في لبنان هذا الشاب الحضاري الذي ورث ملفات العرب الأكثر تعقيداً فوق طاولة أبيه أبيكم وأب سورية وأب الكثير من العرب في أزمان الشدة.
- ماذا فعل الرئيس الشاب في خطبه ولغته ومفاهيمه وفلسفته وبحثه عن المواقع العربية في داخل سورية وفي قمم العرب وفي زياراته المدروسة والمصقولة مثل حبات الألماس؟
هل من الضروري أن يستعيد مفكر مثلي أو مؤرخ سنواتكم العشر الأخيرة؟
حتماً لا، لأن كل سورية وسوري يعرف تماماً مدى الضغوط والمخاطر والأحابيل والمؤمرات التي أحاقت بسورية من جميع جهات الأرض ومطابخها ومفكريها وأجهزة مخابراتها ومراكز دراساتها، يكفي القول باختصار إن سورية التي سماها البابا يوحنا بولس السادس ذات يوم «درة الشرق» عندما تقفى خطا الأنبياء والرسل في الأرض الدمشقية، عانت في العقد الأخير وخصوصاً في السنوات الخمس الأخيرة مالا يوازي ما عانته منذ الاستقلال لا ترموا بدرركم في الحقول.
فمنذ سقوط البرجين في 11/9/2002 لم تستطع سورية من التقاط أنفاسها مذ قرعت أميركا الباب العراقي بحروب متناسلة خلف الجدار السوري ثم جاء القرار 1559 المتنقل باشتعالاته، وصار مجلس الأمن مطبعة للقرارات الدولية، ثم علا نداء المطارنة في لبنان في الـ 2004 فتحركات القامشلي في العام نفسه ثم اغتيال الحريري في الـ 2005 فالانسحاب السوري من لبنان واتهام سورية بمقتله، ثم إنشاء المحكمة الخاصة في نهاية العام نفسه، ثم جاء القرار 1680 والمطالبة بترسيم الحدود بين بلدينا في الـ 2006 ثم حلت حرب تموز الإسرائيلية على لبنان في العام نفسه، ثم حرب غزة في الـ 2008 الخ. وأعتقد بتواضع علمي صاف وأمانة وطنية يعرفها العاملون في أكبر المحافل والمنتديات والسفارات أن هذه الضغوطات كانت تنيخ لها الجبال ولا يقول لي أحد عاقل إن رئيس دولة عظمى أو صغرى كان قادراً على التفكير الهادئ والتخطيط الناجح لو داهمته ظروف مثل التي داهمت سورية والرئيس بشار الأسد فور ولوجه عتبة القصر الرئاسي لكن عندما كرت سبحة الإعلان عن الإصلاحات تلبية لرغباتكم العامرة، فلرغبة عارمة أيضاً لدى الرئيس الشاب الذي لم يبخل بلينه وتواضعه إلا تلبية لإيمانه المعلن بالله وسورية والشعب وبس حاذفاً نفسه في مجلس الشعب، أمام صوتكم الذي يعتبره هو من صوت الله لكن .. لكن مهلاً ليست الأصوات في جذورها من عند الله بقدر ما هي من عنديات الدول الكبرى الطامعة بتعريتكم من لباس العظمة لا يغري أولادكم تلك الكتابات المختصرة في الفيسبوك والتويتر وغيرهما، وأنتم أبناء أمية الذين سبقوا الغرب بألف وخمسمئة سنة في اختراع لغة الفاكس المختصرة تجدونها عندما تفتحون القرآن الكريم في الآيات الكريمة.
- هل استرسل بهذا الحبر أكثر؟
لا أتصور قطعاً، لأن كل سورية وسوري يعرف تاريخ سورية بالألف أكثر مني ويعرف موقعها الذي يفترض منا جميعاً لملمة الدماء النازفة بعيوننا وعدم الاستغراق في النوافذ المفتوحة التي تغرينا بكتاباتها الضوئية وقتياً لكنها قد تغرقنا في عتمة، لا سمح الله، يعجز الحبر عندها من الوصول إلى الأصابع والأكواع بهدف قضمها والحفاظ على لحمتها.
أستاذ الإعلام السياسي
في المعهد العالي للدكتوراه - لبنان