تنعكس بمفاهيمها على طريقة تفكيره وتساهم في تركيبته وبلورة مواهبه خاصة في مرحلة الطفولة والشباب, التي تظهر في الكبر، فالإنسان إلى حد كبير هو نتيجة وخلاصة البيئة والموروث, والتجارب السابقة التي تتدخل في نموه.
مما سبق كيف يكون الأمر في بيئة تشكيلية ؟ عندها حتما ستظهر معرفة التعبير الجرافيكي عند الطفل وتظهر مؤشرات الكفاءة على خلفية الموروث, فيكون البعض قادرا على الإبداع الذي يعبر إليه في مراحل بدءا من التخطيط و البحث عن الرمز وثبوته وأخيرا مرحلة التعبير الواقعي ثم الإبداع، ويحمل بعض الأشخاص وهم كثر رسائل آبائهم ليشكلوها مدارس فنية تتميز بالحداثة والتجديد فيها بصماتهم الفنية وعلى طريقتهم الخاصة..
من هذا المنطلق لم يكن الأمر مستغربا فيما قدمته الفنانة نوار البحرة في معرضها الأول الذي يحمل عنوان (الطبيعة الصامتة) في صالة المعارض بالمركز الثقافي الروسي،واثبتت من خلاله أنها من الذين حملوا رسالة آبائهم وحفظوها بحذافيرها، فشكلوا مدرسة فنية جديدة تميزت بالحداثة والتجدد.
نوار هي إبنة الفنان التشكيلي (ممتاز البحرة) مبدع شخصيات باسم ورباب وميسون ومازن في كتب القراءة،تماما كما أبدع في رسم شخصيات مجلة أسامة في بداياتها و ذروة تألقها.
الفنانة البحرة تخرجت من كلية الهندسة المدنية في جامعة دمشق عام 1983، وشاركت في معرض الفن التشكيلي في نقابة مهندسي فرع ريف دمشق وهذا المعرض هو أول معارضها الفردية.
عند قراءتنا في لوحات الفنانة نوار البحرة نلاحظ خصوصيتها باستدعاء خيالها الخصب وفكرها وببراعة تصويرية حضرت سواء في التكوين أوالخط أوالتلوين، فهي تعمل على سطح اللوحة بربط محكم وعميق بين العناصر وتداخلات لونية لم نعتد عليها امتلكت أدواتها بإحساس مرهف ومدرك بشكل فطري غريزي, بعيد عن الأكاديمية ورغم ذلك بدت عميقة ناضجة متألقة قريبة من المتلقي بعفويتها الخاصة الجريئة والطفولية بشكل عام.
تعددت الأساليب عند نوار، تاركة انطباعات خاصة فاشتغلت باسلوب واقعي أحيانا ورمزي أحيان أخرى وانطباعي وتعبيري برؤية خاصة للواقع والطبيعة مستخدمة العديد من التقنيات والخلطات اللونية التي استمدتها من وجهة نظرها وانطباعاتها عما في ذاكرتها البيئية.
استخدمت نوار ألوان الباستيل والألوان الزيتية و الطباشير والفحم والألوان المائية وغيرها إما متجاورة أو ممزوجة أو طبقات، حسب انطباعاتها وقناعاتها ورؤيتها الفنية، ونفذت أعمالها بتقنيات متنوعة كالرسم بالريشة أو السكين أو حتى بأقلام الرصاص الملونة.
وفي موضوعها (الطبيعة الصامتة) جسدت الطبيعة وبعض البورتريهات بمشاعر جياشة وأصالة فنية مأخوذة من والدها بحس فني عالي وبعطاء زخم نلاحظه في الكم النوعي من اللوحات المختلفة والغنية بالفكرة واللون والتكوين. حتى بدت تنبع من خيال واسع وذاكرة تنبض بالحيوية وتجسيد لمفردات بيئية تحاكي جمال الطبيعة السورية بالصدق الذي سكن وجدان الفنانة متميزا بتقنية عالية ودقة في التفاصيل، وبين مفرداتها تحدثنا الفنانة عن الفرح والتفاؤل وتدل عليه باللون الأخضر الذي يغطي مساحة واسعة تعتبر في مركز استقرار اللوحة والأزرق الذي يوحي بالهدوء والتأمل والأمل .
نستطيع القول أن الفنانة نوار تقدم تجربتها الأولى بانطباعات خاصة وتقنيات مختلفة ومدارس عديدة وبصياغة قلما نشاهدها لما تحمل من خطوط قوية الملامح وطفولة جريئة ناضجة بالفطرة، بدت من خلال موضوعات واقعية استقتها من تجربتها الحياتية عبر تشكيلات لونية جريئة.