هذا العيد الذي يجد فيه السوريون أينما وجدوا عنواناً عريضاً لقيم ومثل سامية سجلها الجلاء وأصبحت ثوابت مهمة في وجدان شعبنا وثقافته حتى يومنا هذا.
السابع عشر من نيسان, هذا اليوم الذي يرمز إلى تضحيات الشعب السوري وإلى نتائج أبطال الاستقلال من يوسف العظمة وسلطان باشا الأطرش وابراهيم هنانو وصالح العلي والأشمر وكل ثوار سورية الذي أوصلوا الوطن إلى الاستقلال وإلى جلاء آخر جندي فرنسي عن أرض سورية الحبيبة.
ويعتبر هذا اليوم تاريخاً مفصلياً يؤرخ للثورات والمقاومات والتضحيات السورية في معارك العز والبطولة ضد المستعمر.
فجلاء هذا المستعمر عن سورية والتحرر من تحت نير الاستعمار، تم بفعل إرادة السوريين ومقاومتهم وبطولاتهم الكبيرة، ولم يتم بإرادة استعمارية طوعية كما هو حال دول عديدة تحررت بصكوك التراضي بينها وبين المستعمر.
ما يميز عيد الجلاء الذي تحتفل به سورية, أن المستعمر أجلي رغما عن إرادته، وأن السوريين تحرروا من الاستعمار ومن كل مفاعيل هذا الاستعمار وثقافته ولم يبق له أثر أو تركة ثقيلة, في حين أن بعض الدول، تحتفل باستقلالات مزيفة, إذ لا معنى لأي استقلال ولا لأي تحرر إن احتفظ المستعمر بنفوذه وتأثيره وفرض إرادته.
إن سورية الأبية لا تحتفل بعيد الجلاء كمناسبة تطلق عبرها الخطابات، بل تحتفل به بوصفه عيداً قومياً يجسد معاني التضحية والنضال وإرادة التحرر والتحرير, كيف لا، وقد استطاعت سورية أن تخرج المستعمر ومعه ثقافاته الاستبدادية وممارساته السلبية التي تهدد وحدة المجتمعات بالتفسخ والانقسام.
وإذا كان العديد من الدول, لسبب أو لآخر, تهمل تاريخها وتستهتر بتضحيات أبنائها ورجالها الذين بذلوا الدماء في سبيل الدفاع عن السيادة والكرامة, فإن سورية, ورغم ما مر عليها من أهوال ومؤامرات وتحديات, ظلت أمينة على تاريخها الحضاري والإنساني والجهادي الممتد على مساحة زمنية عمرها آلاف السنين. فسورية التاريخ والحضارة, هي نفسها سورية الكرامة والممانعة والمقاومة. ولذلك, ليس غريباً عليها أن تجعل من عيد الجلاء, عيد القيم والحرية والنهوض والاستقرار في مواجهة كل محاولات مصادرة الإرادة القومية والعربية.
عيد الجلاء الذي تحتفل به سورية, ننظر إليه كمواطنين عرب, بأنه تجسيد لقيم العطاء والكفاح, ولثقافة التحرير والمقاومة,وترجمة فعلية لثقافة التضامن والوحدة العربية, وهذه هي طموحاتنا كمواطنين عرب.
وهكذا، وتتويجاً لنضال طويل مملوء بالتضحيات والبطولات، خرج آخر جندي أجنبي من الأراضي السورية في السابع عشر من نيسان عام 1946، واعتبر هذا اليوم، الذي أصبح يعرف بيوم الجلاء، العيد الوطني لسورية، وفي ذات اليوم جرى أول احتفال احتفاء بعيد الجلاء ألقى فيه الرئيس شكري القوتلي خطاباً هنأ فيه الشعب السوري على هذا الانتصار العظيم.
الجلاء هو أهمية الوحدة الوطنية فبلد مثل سورية الذي يحوي مزيجاً جميلاً من الطوائف والقوميات والتيارات السياسية والفكرية المتنوعة نجده وقت المحن والمفاصل المهمة كتلة وطنية واحدة متلاحمة تحمل راية واحدة هي راية الوطن والكرامة وهذا مابرز في ملحمة الجلاء وماكان له الفضل الأكبر في توحيد الشعب وتضاعف قواه ومقاومته واليوم هذا المثل نجده في وحدة شعبنا في نضاله الدائم والتفافه التام حول قيادته السياسية ما يجعل من بلدنا الحبيب سورية قلعة صامدة وممانعة لكل المخططات الاستعمارية الرجعية خارجية كانت أم داخلية.
وكل عام وقائدنا وجيشنا وشعبنا السوري بألف خير.