في ثورة قدموا خلال معاركها تضحيات جسام في سبيل عزة وكرامة وطنهم معارك وصفها الفرنسيون أنفسهم بالشرسة فاقت شراسة معارك الحرب العالمية الأولى، معارك أظهر فيها الثوار جرأة وإقداماً حفظتها ذاكرة الوطن التي نعود إليها اليوم لنستعيد بعضاً من صفحاتها المشرفة في ذكرى عيد الجلاء إجلالاً ووفاء لأرواح شهدائها وشهداء الوطن وتقديراً لتضحيات وبطولات رجال هذه الثورة.
لقد أجمعت الكتب التي وثقت لهذه الثورة أنها انطلقت بدايات العام 1920 بشكل رسمي وكان رجالها قد خاضوا عدة معارك مع جنود ومرتزقة المحتل الفرنسي قبل هذا العام وأولى هذه المعارك كانت في بلدة المسطومة الواقعة بين مدينتي إدلب وأريحا عندما اعترض الثوار حملة عسكرية للجيش الفرنسي متوجهة إلى جبل الزاوية لفرض السيطرة عليه ومع نهاية الشهر الثاني من نفس العام 1920 شكلت ثورة جبل الزاوية الجناح الجنوبي لثورة شمال سورية والتي عرفت بثورة ابراهيم هنانو.
وقد كان لهذه الثورة وبطولات رجالها دور مهم في كل المعارك التي خاضها ثوار شمال سورية وساهمت في تحرير معظم المدن التي احتلها الجيش الفرنسي /الجسر - المعرة - اريحا - كفر تخاريم - حارم/ وتحكي كتب التاريخ وسيرة قادة هذه الثورة عن بطولات وجرأة الثوار التي ألحقت بالمستعمر الفرنسي أفدح الخسائر البشرية والمادية في جبل الزاوية وحارم على أطراف جبال الساحل وفي سهول الغاب والروج وصولاً إلى أطراف سهول حلب الجنوبية وكيف أن رجالاً كان سلاحهم الوحيد حب الوطن وإرادة صلبة بصلابة صخور جبالهم استطاعوا أن يلحقوا الهزائم المتوالية بجيوش فرنسا الجرارة كاملة العدة والعتاد.
يقول فايز قوصرة في كتابه /الثورة العربية في شمال سورية/ إذا كان رجال ثورة جبل الزاوية عرف عنهم البأس والشدة والإقدام فإن النساء لم يكن أقل شأناً في ميدان المعارك إلى جانب الرجال يقمن بإسعاف الجرحى واخلائهم من أرض المعركة وتأمين الغذاء والماء ونقل الذخائر والسلاح سراً للثوار /ونحن كنا أطفالاً صغاراً/ كانت إحداهن تحكي لنا دائماً عن مشاركتها في إحدى معارك هذه الثورة وكيف اخترق رصاص الفرنساوي الوعاء الذي كانت تنقل فيه الماء للثوار وذكر فاخر أفضيل في كتابه /ثورة جبل الزاوية/ إن عدد النساء اللواتي شاركن في هذه الثورة تجاوز ال /50/ امرأة.
بعد أن قويت واشتهرت الثورة وتعددت معاركها وبطولات رجالها التي ألحقت بالجيش الفرنسي الخسائر الفادحة حشد المستعمر آلاف الجنود والمرتزقة الذين جلبهم من البلاد التي كان يحتلها ومعظمهم أفارقة ورغم الاختلاف حول عدد هؤلاء إلا أن البعض من الوثائق التاريخية أشارت إلى أن عدد الفرنسيين وصل إلى 15 ألف جندي بهدف تأديب ثوار جبل الزاوية والقضاء على ثورتهم وتقول هذه الوثائق أيضاً إن عدد الثوار لم يتجاوز ال 500 رجل.
وبعد أن تجمع الجيش الفرنسي في سهل ترعان بين المعرة واريحا قرب قرية سرجة خرج إليه الثوار من وراء صخور جبلهم ودارت معركة شرسة حامية الوطيس استمرت ثلاثة أيام بلياليها قال عنها قائد الحملة الفرنسية إنه لم يشهد معركة بهذه الشراسة منذ أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها.
وفي هذه المعركة قدم الثوار بطولات فاقت التصورات وتجاوزت امكانياتهم ومازال أبناء المنطقة والمؤرخون يحكون ويكتبون عنها الاساطير الحقيقية وفيها كتب النصر للثوار وكانت حصيلتها مقتل أكثر من 1200 جندي ومرتزق فرنسي واستشهد من الثوار كوكبة من الابطال الذين شكلوا فيما بعد معظم شهداء الثورة السورية في الشمال.