وحول الإخفاقات التي واجهها زعماؤه ، وما يميز هذا العام الأزمة الاستراتيجية لإسرائيل إقليمياً ودوليا والتي تتمثل في شعورها بفقدان الدور والوظيفة المناطة بها منذ تأسيسها، لاسيما بالنسبة للغرب.
وانعكس ذلك فيما عرضته شعبة التخطيط في هيئة الأركان العامة للجيش، «من تقديرات متشائمة للأوضاع السياسية والأمنية بشكل استثنائي، واعتقادها بأن الذكرى السنوية الحالية لاستقلال الدولة تشهد تفاقماً لبيئتها الاستراتيجية بشكل خطير، مما سيجعلها تقف في وضع بالغ الصعوبة أكثر من الوضع الحالي».بحسب معاريف
فعلى الصعيد الصراعي مع محيطها لايزال الصراع مع الفلسطينيين على أوجه بالرغم ارتفاع وتائره في بعض مراحله التاريخية وانخفاضها في بعضها الآخر وبحسب افتتاحية هارتس :»يوم الاستقلال ليس عيدا للعرب الفلسطينيين ، الذين فقدوا قبل 64 سنة أرضهم وكرامتهم القومية والكثيرون منهم ثكلوا أعزاءهم. يوم الاستقلال ليس عيدا لعشرات الاف الأصوليين، التي تعتبر فكرة الصهيونية والديمقراطية غريبة على روحهم والعلم ليس علمهم. استحواذ الرموز الوطنية لدى رجال اليمين والزعران، الذين يلتفون بالعلم في مظاهرات العنصرية ضد العرب، يبعد عنهم يهودا إسرائيليين أيضا .
النظام السياسي مهترئ
أما على الصعيد السياسي أو بتعبير أدق النظام السياسي ، فقد أصبح هذا النظام من وجهة نظر الكثيرين في إسرائيل نظاماً فاشلا وفاسدا ويخضع لابتزاز التوجهات والتيارات الأكثر يمينية وتطرفا داخل ما سمي بالمجتمع الإسرائيلي لدرجة أن البعض وصفه بالنظام الأكثر خطورة من التهديد الإيراني بحسب مئير داغان رئيس الموساد السابق ، حيث نقلت معاريف عنه « قوله «أعتقد أن نظامنا وصل إلى نقطة تكون فيها الحكومة غير قادرة على إدارة الدولة»، مضيفًا «نحن في إسرائيل على شفا هاوية ولا أريد أن أبالغ وأقول كارثة، ولكننا نواجه تكهنات سيئة للغاية لما سيحدث في المستقبل».
وأشار إلى أن السلطة في «إسرائيل» انتقلت من الأكثرية إلى الأقلية من خلال حكومة ائتلافية، قائلا: «على سبيل المثال حزب ايهود باراك يملك خمسة مقاعد في الكنيست وله أربعة وزراء».
وتابع: «إن الأولويات الوطنية وضعتها أحزاب صغيرة أسست تحالفًا وليست أغلبية، وهنا نجد أن كل شخص يعمل ويدفع الضرائب ويخدم في الجيش لا يتلقى أي دعم من الحكومة، في حين أن كل من لا يعمل ولا يدفع الضرائب ولا يخدم في الجيش يتلقى كل شيء» في إشارة للعلمانيين والمتدينين. واعتبر داغان رئيس الحكومة نتنياهو أنه موجود في اضطراب دائم وأن جزءاً كبيراً من وقته وإدارته وجهده يقوم باستثماره في تقوية الائتلاف في كل يوم وذلك حتى لا يتمزق فيفقد بذلك الحكومة خلال يوم واحد.
تفكيك المجتمع الإسرائيلي
وحول «المجتمع الإسرائيلي» فهذا المجتمع بحسب الكثير من علماء الاجتماع والمفكرين في إسرائيل يمر في حالة من التفكك بحكم التناقضات الطائفية والاثنية والثقافية التي تنخر جسده واصبحت كل طائفة تشكل كيانا ثقافيا مستقلا له لغته وتقاليده وأنماط حياته الاجتماعية التي تختلف عن غيره ، فهناك اليهود الغربيون- الاشكناز» الذين يهيمنون على الواقع في إسرائيل في مقابل أكثرية مهمشة «اليهود الشرقيون –المزراحيم» والذين يمارس ضدهم مختلف إشكال التفرقة والتمييز العنصري ، ناهيك عن العلمانيين الذين بدأ دورهم يتراجع وتأثيرهم يضمحل لدرجه أنهم هجروا الكثير من المدن والضواحي في المركز والأطراف لينطووا في منطقة تل-أبيب علاوة على الهجرة المعاكسة المتزايدة في أواسطهم على ضوء ازدياد قوة ونفوذ اليهود المتدينين المتشددين « الحريديم» هذا إذا ما أضفنا إلى ذلك كله العرب الفلسطينيين أصحاب الأرض الشرعيين الذين يعانون اشد صنوف التفرقة والتمييز العنصري على المستوى الرسمي والشعبي ، ويجمل الكاتب شاي غولدن في معاريف الوضع في إسرائيل على هذا الصعيد:«إسرائيل تجتاز عملية تفكيك إلى نماذج. لتبني العقيدة الإيديولوجية. لا توجد طريقة لإنشاء فكرة إسرائيلية في المكان الذي كل قطاع يصوغ لنفسه أيديولوجيا خاصة، تقوض الإيديولوجية المؤسسة، انطلاقا من الإحساس بان «إسرائيل» كـ «إسرائيل» ستوجد بالتأكيد، حتى لو ترك مكانه في موقع الحراسة الإسرائيلي وركز فقط على احتياجاته وإراداته. شيء ما في النسغ الإسرائيلي، في تعريف الجماعة – انكسر.
عزلة دولية
بالإضافة إلى هذه الأسئلة الوجودية الصعبة المصيرية، تعيش إسرائيل هواجس نزع الشرعية وتشبيهها بنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وقد ذهب تقرير إسرائيلي حديث إلى حد التحذير من أن شبكة عالمية تضم نشطاء أفراداً ومنظمات حقوق إنسان في أنحاء العالم، تسعى إلى نزع شرعية إسرائيل، ليعتبر أن هذه الشبكة تشكل تهديداً إستراتيجياً لإسرائيل. وأشار التقرير الذي أعده «معهد ريئوت»، الذي يعمل على منح المشورة في مجالات الأمن القومي والاقتصاد للحكومة الإسرائيلية، إلى أن هذه التظاهرات أعادت طرح عزلة إسرائيل الدولية، بسبب الجمود في العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين، وتصاعد السعي لنزع شرعية إسرائيل في العالم. ودعا التقرير، الذي وُزّع على الوزراء الإسرائيليين، إلى وجوب استعداد الحكومة لمواجهة المسعى لنزع الشرعية عن إسرائيل، تماماً مثلما تتم مواجهة تهديد إستراتيجي.
ولفت إلى أن التظاهرات التي جرت ضد نائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني أيالون، خلال إلقائه محاضرة في لندن، وضد السفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة مايكل أورن خلال إلقائه محاضرة في جامعة في كاليفورنيا، هي جزء من نشاط هذه الشبكة، ليستنتج أن إسرائيل تتعرض لهجمة عالمية تحاول نزع شرعيتها من خلال تظاهرات ضدها في الجامعات ومباريات كرة المضرب وحملات إعلامية لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية في أوروبا، إضافة إلى إقامة دعاوى أمام محاكم أوروبية للمطالبة بإصدار مذكرات توقيف بحق مسؤولين إسرائيليين.
نزع الشرعية
في الاتجاه ذاته، رأت صحيفة يديعوت أحرونوت ، إن مسألة نزع الشرعية عن إسرائيل تتفاقم بسبب افتقارها إلى خطة ملموسة لمواجهة جيل جديد من المواقف المعادية في أوساط الجالية اليهودية الأميركية وفي الجامعات أيضاً. وأوضحت الصحيفة في مقال بعنوان «هل تخسر إسرائيل المعركة؟»، ان المسألة في الجامعات ليست المعاداة المتعصبة للسامية، بل هي حالة من الشباب المتعلم والذكي الذي تم التأثير فيه بسهولة وفي شكل مقنع من خلال الرواية الفلسطينية القوية والساحقة. وبينت أن هذا الجيل الجديد لم يعد من المغرمين بدولة إسرائيل، بل هو غاضب على نحو متزايد، ولا يمكنه فهم كيف تستطيع الولايات المتحدة الحفاظ على الدعم الثابت لإسرائيل. أما بالنسبة إلى الجالية اليهودية الأميركية، فقد بينت الصحيفة أن خيبة أملها كبيرة نحو سياسات دولة إسرائيل التي لن تفوز بهذه المعركة من خلال قدراتها العسكرية المتفوقة، بل على العكس، سيتم تحقيق هذا النصر عبر وسائل الإعلام، وفي الجامعات.
فراغ كبير
على هذه الخلفية السوداوية، فقد توقع بحث جديد أعده معهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب أن تواجه إسرائيل في السنين القريبة المقبلة الحاجة إلى اتخاذ قرارات في شؤون الأمن القومي المركزية، وستفعل هذا في واقع أكثر تعقيداً. أو كما يقول مدير المعهد، د. عوديد عيران، «فإن فراغاً عظيماً نشأ في الشرق الأوسط، كنتاج لثلاث ظواهر: أولاها الربيع العربي الذي حدث على خلفية انهيار ما سماها مسيرة السلام الإسرائيلية العربية كظاهرة ثانية، وضعف الولايات المتحدة الشديد، مشدداً على أن الجمع بين العوامل الثلاثة قد يؤدي بإسرائيل إلى كارثة عظيمة. هذا فيما تقبع العلاقات بين إسرائيل ومحيطها في الحضيض، وفي حين أن التصور المهيمن في العالم العربي، وفي الساحة الدولية أيضاً، هو أن سياسة إسرائيل الرافضة مسؤولة بقدر حاسم عن الطريق المسدود، مشدداً على أنه بخلاف الميل الذي ساد إسرائيل إلى نسبة المسؤولية عن جزء كبير من التطورات في الشرق الأوسط إلى إيران، فإن قدرة طهران على توجيه الأحداث محدودة.
وبحسب المجموعة التي أعدت البحث، فإن خلاصاته هي الأكثر سوداوية وتهديداً، منذ بدأ المعهد ينشر تقديراته في عام 1983. ويلاحظ في هذا السياق حدوث تدهور ملحوظ آخر في السنة الأخيرة لوضع إسرائيل الاستراتيجي، في وقت لم تبلور الحكومة الإسرائيلية إستراتيجية سياسية ناجعة لتبريد مراكز التوتر، فقد ازدادت التحديات التي تواجهها الدولة، وفي المقابل يحظى زخم ديبلوماسية السلطة الفلسطينية بالمناصرة والتأييد اللذين يثبتان أكثر عزلة إسرائيل الدولية المتزايدة.
وعلى هذا الصعيد نفسه نشرت جامعة تل-أبيب تقريرا استراتيجيا حول البيئة الإستراتيجية لإسرائيل تحت عنوان « تضعضع البيئة الإستراتيجية لإسرائيل» جاء فيه :» يتضعضع في المرحلة الأخيرة المحيط الاستراتيجي الذي تعمل فيه إسرائيل، إلى درجة التهديد بانهيار أجزاء كبيرة من المنظومة التي اعتمدت سياستها عليها. وأحد العناصر البارزة هو أنه بإزاء غياب أو خفوت أكثر اللاعبات «الثقيلات الوزن» في العالم العربي، بقيت السعودية عاملا أخيرا تقريبا لا يزال يعمل بإصرار على صد إيران وهو قادر على أن يكون معادلا لتركيا. إن الضعف الذي يُلم بالعالم العربي قد أصبح على نحو غير متوقع مشكلة لإسرائيل ويزيد احتكاكها بالقوى الإقليمية وراء منطقة سايكس - بيكو التي تحاول أن تُعمق تأثيرها في الساحة. وعلى هذه الخلفية تصبح السعودية فجأة دولة قريبة جدا من إسرائيل في قراءة الخريطة الإقليمية ووضع أدلة العمل الاستراتيجي.
تضعضع المحيط الاستراتيجي
ويضيف التقرير:«إن تضعضع المحيط الاستراتيجي قد يراكم ايضا صعابا جديدة أمام محاولة التوصل إلى تسوية إسرائيلية فلسطينية. وان أكثر اللاعبات التي شاركت في الماضي في منح غلاف استراتيجي يؤيد تسويات سياسية قد اختفت أو ضعفت أو بردت علاقاتها مع الولايات المتحدة.
ويخلص التقرير: تضطر حليفات الولايات المتحدة إلى أن تفحص من جديد أما يزال السير في المسار الأميركي يضمن حماية معقولة لمصلحتها. إن إدارة الإدارة الأميركية ظهرها لمبارك أثارت مخاوف عند نظم الحكم العربية الموالية لأميركا. وفي نفس الوقت فان عدم فاعلية الولايات المتحدة في مواجهة إيران، في البحرين مثلا، قد اضطر الملكيات السنية إلى ملء الفراغ الاستراتيجي والى أن تعمل بنفسها عملا لم تكن تحتاج إليه في الماضي تقريبا.
يجب على إسرائيل أيضا أن تكون قلقة من تضعضع الثقة الإستراتيجية بالولايات المتحدة، كما تعلمنا من تنكر إدارة اوباما لرسالة الرئيس بوش في 14 نيسان 2004 وهي رسالة صادق عليها الكونغرس بالإجماع تقريبا. لكن المشكلة أعمق من دبلوماسية إدارة اوباما أو من دبلوماسية حكومة نتنياهو الفظة (إذا لم نشأ المبالغة). لم تكن هناك علاقات دافئة بنيكسون، ولم يكسب نتنياهو أشياعا في إدارة كلينتون أيضا. وقد كان لإدارة كلينتون الليبرالي تصور يختلف عن تصور إدارة ريغان المحافظة مثلا، لكن أكثر الإدارات الأميركية في العقود الأخيرة قرأت في خريطة إستراتيجية متشابهة وكانت فعالة نسبيا في تحقيق سياستها مهما تكن السياسة.