من الضروري أن نتذكر الآن هذه الحقيقة , لا لنحذر من لعب الأطفال المفخخة هذه, ولكن لنحذّر ممّا هو أدهى وأمرّ .
أحمد فوزي المتحدث باسم المبعوث الأممي بان كي مون تحدّث عن احتمال وجود طرف ثالث في سورية دون أن يسمّيه . اعتقد البعض أنه يشير إلى القاعدة , واعتقد آخرون أنه يشير إلى سواها . والواقع أن القاعدة موجودة , وأن الموساد يعيث فساداً بدوره . وأن الموساد يلعب في وقت واحد على ثلاثة حبال : حبل القاعدة ومن في حكمها من السلفيين , وحبل المسلحين الذين يزعمون أنهم « جيش حر» , وحبل شبكات الموساد الخاصة جداً . وكل واحد من هذه الأطراف الثلاثة يؤدّي دوره بطريقته الخاصة , وله نموذجه الخاص. غير أن هناك غرف عمليات خارجية بعضها صهيونية تتولى إدارة الجميع. وما يعنينا هنا, هو أن العدو الصهيوني بات مصدر التزويد بالأسلحة إلى جانب الأميركيين, بينما يتولى آل سعود وآل ثاني دفع ثمن هذه الأسلحة بسخاء, وتساهم أطراف أخرى منها حكومة أردوغان وبعض الأطراف في لبنان في تهريب هذه الأسلحة إلى الداخل السوري .
كل هذه المعطيات هي من قبيل المعلومات العادية التي باتت معلومة , وليس فيها ما هو جديد . ومعلوم أيضاً أن من توضع أسلحة القتل في أيديهم سواء كانوا من عناصر القاعدة وفراخها , أو من عصابات « الجيش الحر» وفراخه , هم أناس من التعساء المجانين الذين لا يعرفون « وين الله حاططهم « . وهنا تبدأ المشكلة في الواقع !! .
إذا كان السلاح الأفضل بالنسبة لشبكات الموساد هو السلاح الخفيف القابل للتخبئة والذي تنحصر الغاية منه في اغتيال ضابط أو عالم ما , فإن السلاح الأفضل بالنسبة للطرفين الآخرين اللذين ينفذان العمليات تحت تأثير المخدرات غالباً , هو الذي يقتل أكثر ويدمّر أكثر . فالانتحاري الذي يعرف أنه ذاهب لتفجير نفسه بالآخرين أقنعوه بأن ضحاياه هم ثمن تضحيته بنفسه , فكلما كان عدد الضحايا أكبر وحجم الخراب أكثر , يكون قد حصل على ثمن أغلى لحياته !! . وربما بدا للبعض أن هذا النموذج من الإرهابيين هو الأخطر . ولكن تعالوا ننظر إلى النموذج الثاني الذي لا ينفذ عمليات انتحارية . إن هذا النموذج غير الانتحاري يهمّه أن يتوفر بين يديه سلاح ينحرُ أكثر. وهو ليس معنيّاً البتة بالسؤال عن ماهية هذا السلاح وفاعليته , حتى ولو من باب التحسب على نفسه . وكل ما يهمّه إذا ما جاءهُ سلاح جديد ملفوفٌ بالسيلوفان » أن يتدرّب بسرعة على كيفية استخدامه , فرحاً باللعبة الجديدة المؤثرة التي باتت بين يديه .
والآن , إذا نحن عرفنا أن المزوّد بالسلاح هو الموساد , أي الكيان الصهيوني , فماذا علينا أن نتوقع ؟ .
إلى جانب السيارات المفخخة بعبوات ناسفة يصل وزنها إلى طن أو طن ونصف الطن بما يتساوق مع أسلوب القاعدة وفراخها , فإن العدو يمكن أن يزوّد عصابات السفهاء بأسلحة أخفّ وزناً وأكثر هولاً , كأن تكون قذائف لأسلحة كيماوية أو بيولوجية. وسيكون عملاؤه من التعساء فرحين مستبشرين بما آتاهم العدو من عنده . ولن ينسى مشغّلوهم من سدنة « مجلس اسطنبول » أن يقدّموا للعدو الشكر الجزيل , وأن يسبّحوا بحمد صنيعه الجميل , وأن يحمدوا الحمدين على المنّة , وأن يقبلوا أيدي عجائز آل سعود على تنفيذهم للوعود . فكلما كان السلاحُ فتاكاً أكثر كان مفعوله أكبر , وهذا ما يريدون لتضخيم الحصاد , والإفساد في البلاد . وهكذا , فإن الشانئ الأبتر سيرقص على وقع جريمته طربا , ويذهب في تفسير ما حدث مذهباً عجبا . ومن باب الغيرة على إسرائيل , وقبول هداياها بالصمت الذليل , لن يعترفوا أمام العالم بفعلتهم ولا بفعلتها . وكما جرت العادة سيكون النظام وحده المسؤول عن ظهور مثل هذا السلاح وانفجاره في الساح وحصده للأرواح . وأما بعثة المراقبين الدوليين – إذا حدث هذا في ظل وجودها – فستدّعي أنها سجلت الحدث الأخطر , ولكنها عجزت عن تحديد المصدر , وأن الأمر يحتاج إلى تدقيق وتحقيق . وبما أنه ما من « إسرائيلي » واحد يلوح مباشرة في المشهد, فإن الجرائم ستسجل – في أحسن الحالات – ضدّ مجهول , بل وقد يجري تحميل المسؤولية للضحايا , فيقال إن الأمر يتعلق بسلاح وضيع وضع بين يدي طفل رضيع , مصدره غير مؤكد , ومن دسّه ليس محدّد.
أمام احتمالات خطيرة من هذا النوع ماذا نحن فاعلون ؟ .
دعونا نقول بأن تطوّراً من هذا النوع لا يمكن أن يمرّ بسهولة , وأنه قد يفجّر الوضع كله في المنطقة . ومع ذلك , علينا أن نسلم بأن مثل هذه المخاطر , والتطور النوعي في الأسلحة التي باتوا يضخونها إلى الداخل السوري , وما تحمله هذه الأسلحة من أسوأ الأخطار , تجعلنا نقول أولاً إن الرحمة قد استوفت حدّها , وإن الشفقة لم تعد تجوز على كلّ من مُدّت له يد الشفقة فصدّها وردّها , وأنه بات من الواجب الحتميّ الآن اعتماد قانون لمحاربة الإرهاب , نقلدُ فيه أعداءنا بالذات في كل ما يعتمدونه من أساليب في مواجهة ما يدّعون أنه تخريب , وأن تطال العقوبة كلّ من علمَ ودارى , وكلّ من أجرم وتوارى , وكل من ساهم في القتل وبالسلمية تمارى , ومصادرة ممتلكات كل من وضع في خدمة الإرهاب مزرعةً أو دارا . فبدون استخدام القبضة القوية لم يعد ممكناً تفادي الرزيّة . إن الحرية حق , والمعارضة حق , أما الإرهاب الذي يذهب بأرواح الأبرياء فهو إفساد في الأرض وليس بحق .
إن المشكلة الآن , هي أن عدوّنا يخترقنا بواسطة العميان . ولن يعيدَ الرؤية إلى العيون المعمّاة , ويصون الوطن من الضربات , إلا جعل المتورطين من عبد الطاغوت يعرفون ما عليهم دفعه من أثمان , وتقدير أن حجمه أكبر ممّا يدسُّ في جيوبهم , ويكفر به على عيونهم وقلوبهم . وما لم نلجأ إلى محاربة « المفسدين في الأرض» بما يتطلبه ذلك , فإنّ عُمْي القلوب , سيواصلون ارتكاب الجرائم والذنوب , وإن أدوات افسادهم ستتطوّر وفق ما يرى العدو الصهيوني أن من مصلحته أن يفعل . فكلما تقلص في الأرض عديدهم لجأ العدو إلى تطوير نوعية عتادهم . وهكذا تصير نوعية السلاح الفتاك هي التي تعطي للقلة المتمرّدة إمكانية ملاحقة المواطنين الأبرياء بالإهلاك .
ربما سأل سائل : هل من مؤشرات على مثل هذا الخطر ؟ . ونحن نقول : ما حاجتنا إلى المؤشرات ونحن نعرف كيف يفكر العدو وكيف يستغل أيّ ثغرة ؟ . فما دام هناك إرهابيون مسلحون كل همهم القتل والتخريب ولو لقاء منفعة مادية محدودة ولا شيء يمنعهم من استعمال أسلحة إسرائيلية في اعتداءاتهم كما أثبتت الوقائع طوال الوقت , فما الذي يمنع العدو من تطوير نوعية الأسلحة الموضوعة بين أيديهم لتكون أكثر فتكاً وتدميراً ؟ . ثم إن علينا أن نتذكر الآن كيف تحدث الأميركيون بشكل خاص كثيراً عن مخاوفهم من امتلاك القاعدة بالذات لسلاح نووي – ولو بدائي – وها نحن نتأكد تماماً من أن ظنوننا عن تبعية القاعدة لهم قد تأكد أنها لم تكن مجرّد ظنون . فهل يستخدمون سلاحاً خطيراً ما ثم يدّعون أنه من صنع القاعدة ؟ .
إن مَن لديه الاستعداد لأن يقتل أبناء وطنه بقنبلة يدوية إسرائيلية لن يكون لديه مانع من أن يقتل أبناء هذا الوطن بقنبلة إسرائيلية أخرى كيميائية أو بيولوجية قدرتها على القتل والتدمير أكبر بكثير . إن هذا خطر يجب أن نتحسب له .
بعد فراغي من كتابة هذا المقال خطر ببالي أن أشاهد كيف ابتلعت قناة الجزيرة كذبتها عن اغتيال عدد من القادة العسكريين والأمنيين السوريين والتي أطلقتها صباح يوم 20 أيار , فإذا بها تورد خبراً عن ترتيبات أميركية « لتأمين السلاح الكيميائي السوري » . عندئذٍ , بدا واضحاً أن الأميركيين يمهدون لشيء ما , لا علاقة له بالسلاح الكيميائي السوري وتأمينه حتى لا يقع في يد الإرهابيين كما يزعمون , وإنما هم يهيئون لاستخدام سلاح كيميائي من قبل عملائهم والادّعاء بأنه سوري سرق , وليس أميركياً أو اسرائيلياً أعطي للإرهابيين . وهذا يعني أن الخطر الذي يجب أن نتحسب له هو خطر حقيقي أولاً , وأن هذا الخطر بات على وشك الوقوع بدلالة التمهيد الأميركي له إعلامياً ثانياً .