وقد بدأت النواة الأولى لمراكز التحكيم في سورية بعد صدور القانون رقم 4 الخاص بالتحكيم لعام ال 2008 وهو قانون مستقل في هذا المجال لتخفيف العبء على الناس من اللجوء إلى القضاء والمحاكم في حل بعض النزاعات.
ولعل ما طرحته الدورة التحكيمية الأولى في سورية تحت عنوان (التحكيم وإجراءاته) يوضح جوانب مختلفة ومهمة للمتدربين ولنشر ثقافة التحكيم في المجتمع.
يقول المحامي أحمد سعيد رزق رئيس مجلس إدارة مركز العدل للتوفيق والتحكيم: لقد أثبت التحكيم حضوره وقوته القانونية إلى جانب القضاء وقد انتشرت العملية التحكيمية لدينا مع بداية تطبيق القانون رقم 4 بعد أن كان المحامي يمر عليه سنوات طويلة ولم يكن يعرف بوجود التحكيم ولكن حتى يكون الشخص محكماً يجب أن يكون ملماً بأمور كثيرة.. حاولنا تقديمها بكثير من التفاصيل خلال هذه الدورة وقدمنا للمتدربين ستة مواضيع ساخنة ومهمة في التحكيم الذي هو أسلوب لحل الخلافات بالتراضي بديلاً عن القضاء وكما يقال (قضاء بديل عن القضاء).
ستة محاور
وحول المواضيع المطروحة خلال الدورة أشار إلى موضوع سلطة القضاء في الرقابة على حكم التحكيم ومدى هيمنة القضاء على المحكمين وما يصدرونه من أحكام وهل لهم صلاحية واسعة في إبطاله أو تعديله أم أن يدهم مكفوفة في هذه الأمور.
أما الموضوع الثاني فيتعلق بالتحكيم في العقود الهندسية وما يسمى «الفيدك» وقدمه الأستاذ محمد الجلالي معاون وزير الاتصالات. وتناول المحور الثالث بطلان حكم التحكيم على لسان د. محمد خير عكام وهو عنوان لصيق بموضوع سلطة القضاء والرقابة على التحكيم وكل ما يتعلق بموضوع بطلانه في حين تناول المحور الرابع: إجراءات التحكيم والآلية التي يسير عليها نسق التحكيم من بدايته إلى نهايته.
من تباليغ وتبادل مرافعات وتبادل وثائق ومناقشة بين المحكمين ومناقشات بين الأطراف ثم صدور الحكم.
وأخيراً: محور يتعلق بشروط التحكيم وكيفيته وماذا يجب أن يتضمن، فهناك أمور حساسة يفترض أن يضمها القرار التحكيمي وإلا يصبح باطلاً، لأنه حكم قضائي بكل معنى الكلمة على سبيل المثال إذا لم يتضمن القرار القضائي عبارة «مجلس الشعب العربي السوري» فهو باطل لأنه لم يصدر باسم الشعب العربي السوري.
ويتبع ذلك مجموعة من المسائل والقضايا وهي أمثلة من الواقع تقدم على شكل تدريب عملي للمشاركين كنوع من التطبيق للمعلومات النظرية التي حصلوا عليها ويشارك في هذه المحاضرات وفي التدريب عدد من المحامين والقضاة والمهندسين وفئات من جميع الاختصاصات.
ماذا بعد حكم التحكيم؟
مما تقدم كان سؤالنا للأستاذ رزق يتعلق بمصير قضايا التحكيم بعد أن يؤخذ فيها الحكم؟ حيث أفادنا قائلاً: يقدم الحكم التحكيمي إلى محكمة الاستئناف ليأخذ طريقه للتنفيذ خلال أيام قليلة وهذا ما يسمونه (إكساء) أي صيغة تنفيذية للحكم وهو مثله مثل أي حكم قضائي لكنه أسرع من القضاء بكثير وأقل جهداً ومالاً على أصحاب القضية.
بماذا يختلف عن القضاء؟
ما التحكيم؟ وما الفرق بينه وبين القضاء؟ وفي حال حصل خلاف بين شخصين فهل يذهبان إلى القضاء لرفع دعوة قضائية أم يذهبان إلى التحكيم؟
هذه النقاط أجابنا عنها المحكم حسين السيوفي، وهو تخصص هندسي على اعتبار أن التحكيم يجب أن يتضمن من جميع الاختصاصات للحصول على دقة الحكم في مختلف أنواع القضايا.
قائلاً: إن التحكيم يختلف عن القضاء من حيث يتفق الشخصان المتنازعان على الذهاب إلى التحكيم واختيار محكم ليحكم بينهما، وهذا الاختيار يعني أنهما مقتنعان بالتحكيم وبالتالي سوف تنتهي المشكلة وهما متفقان أما عندما يذهب هؤلاء إلى القضاء لاشك أن أحد الشخصين أو كلاهما سيخرجان متنازعين ويوجد كراهية بينهما.
كما أن القاضي يقضي في جميع الأمور أما المحكم فيتم اختياره من خلال خبرته في هذه المسألة أو تلك.
وحول ثقافة التحكيم في سورية وقناعة الأفراد باللجوء إلى التحكيم لحل خلافاتهم؟ يؤكد. السيوفي: أن هذه الثقافة جديدة مع أن المجتمع اعتاد على التحكيم الشرعي منذ سنوات طويلة ولكن كان ذلك فقط من أجل الزواج والطلاق.. وهي مسألة موجودة بالعرف الاجتماعي، فعندما يختلف الزوجان، يوجد حكم من أهل الزوجة أو حكم من أهل الزوج لمناقشة الخلاف والوصول إلى حل.
والفكرة اليوم من عقد دورات للتحكيم هي نشر هذه الثقافة وتوسيع التحكيم في سورية لمختلف القضايا الخلافية، ما عدا الأمور الثابتة قانونياً.. حيث يسير الحل التحكيمي في ثلاث مراحل، أولاً الصلح أو التوفيق ثم التحكيم، ثم القضاء.. وأكثر ما نلاحظ اليوم البند الخاص بالتحكيم في العقود (الاجتماعية أو الاقتصادية والطبية والزراعية) حيث يكتب (تحل النزاعات عن طريق التحكيم) وهنا الموضوع لا يذهب إلى القضاء.
وهذا يخفف عبئاً كبيراً عن القضاء في سورية في تسهيل وتسريع الكثير من القضايا.
محظورات التحكيم
وكنا قد توقفنا مع المعنيين بهذه الدورة حول بعض الحالات التي يمنع فيها التحكيم؟ مثل الأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية والأمور التي فيها حق عام.
ومن الأمثلة التي ذكرها لنا أ. رزق: شخص يريد أخذ الجنسية وقد لقي الرفض بهذا الموضوع لا يجوز أن يلجأ إلى التحكيم ليحصل عليها.
ومن المحظورات في التحكيم (هو الحق العام) يعني شخص ارتكب جريمة لا يجوز اللجوء إلى التحكيم فيما يخص الحق العام لأن للجرم شقين شق جزائي لا يجوز تناوله بالتحكيم، وشق مدني يمكن للتحكيم حله.
وأخيراً تجدر الإشارة إلى أن: التحكيم أصبح ضرورة ملحة مع توسع المجتمع وازدياد القضايا وتشابك العلاقات والمصالح.. وهذا يحتاج إلى خبرات متنوعة في التحكيم وإلى انتشار مراكز التحكيم وفقاً للقانون رقم (4) ثم إن هذه الدورة سوف يتبعها المزيد من الدورات للتدريب على ممارسة التحكيم بأسس صحيحة.