ولم يعد انتشار القواعد العسكرية الأميركية ووجود نحو 65 ألف جندي أميركي إلا كشكل هوليودي مدفوع الثمن.
وإذا كانت أميركا قد تدخلت حاشدة معها قوى العالم لضرب العراق وإخراجه من الكويت، ثم غزوه وتدميره نهائياً عام 2003، فقد كانت تهدف إلى حماية مصالحها الحيوية، الأمر الذي خلق وهم الحماية الأميركية لتلك المصالح حتى لو خاضت الحرب، لهذا خلقت مع ربيبتها اسرائيل عدواً وهمياً هو إيران يستدعي استمرار وجود قوى شكلية أصبح وجودها وهمياً. ولم يعد بإمكان صانعي (الربيع العربي) الذي وئد في سورية، القيام بأي مغامرة حتى ضد إيران مهما فعلت لأن تكاليف مثل هذه الحرب التي ستتحول إلى حرب شاملة قد تمتد إلى عدة قارات بفعل انقسام العالم حول السلوكيات والاستفرادات الأميركية بالقرارات والتحكم بمسارات وسياسات واقتصادات دول النفط والثروات الطبيعية.
لهذا أصبحت كل حروبها إما بالوكالة وإما بالعقوبات، ومثل هذه الحروب لا تغير في مجريات الأمور كما أثبتت التجارب في سورية واليمن ولبنان، بل تزيد هذه الدول قوة تستدعي التفافاً وتأييداً من الدول المنافسة لأميركا في قيادة العالم.
لا شك أن الغرب ما زال يعتبر أن منطقة الخليج تحتوي على معظم الاحتياط النفطي العالمي، وعلى الممرات المائية الرئيسية الضرورية لتجارة العالم، وفيه القاعدة الغربية الأساسية إسرائيل، لكنه لم يعد قادراً على المجازفة لحماية مصالحه الحيوية، فقد تغيرت الظروف وأصبح الضعيف قوياً وبإمكانه ردع أي قوة في العالم تحاول الاعتداء عليه.
وهذا ما أثبته أهل اليمن رغم الاستخفاف والتنكيل بهم بعد ضرب المنشآت النفطية في السعودية والتي ما زالت محل لغط عالمي لتحميل إيران المسؤولية ما يسوِّغ لأميركا فرض المزيد من العقوبات لجرها إلى مفاوضات جديدة ترفضها إيران بالمطلق وهي ترزح تحت الحصار لهذا أثبتت عملياً أنها قادرة على السيطرة على الممرات المائية ومنع خروج أي قطرة نفط منها.
لقد اختصر العارفون ببواطن الأمور المشهد الجديد بأنه يجب أن يقر الغرب بأن عهد هيمنته على الشرق بدأ بالأفول.
حتى أميركا نفسها قالت بعد ضربة بقيق: (على السعودية أن تحمي نفسها، وأن أميركا لن تستطيع في ظروفها الحرجة أن تقدم لها سوى الدعم، ولن يكون الجيش الأميركي جيش مرتزقة يحارب من أجل السعودية) إذاً فالقوة لم تعد وسيلة يعتمد عليها الغرب للسيطرة على المنطقة بعد أن استنفدت وظيفتها.
أما الحرب الاقتصادية فقد بدأت تعطي نتائج عكسية، حيث بدأ الباحثون والخبراء يتحدثون بثقة عن تراجع الدولار أو انهياره بعد صمود الدول والقوى التي استهدفتها، وبدأت تتحول إلى نظام مالي وتجاري واقتصادي بديل، وهذا كل ما تخشاه إمبراطورية المال الأميركية.
إن فشل الحربين الإرهابية والاقتصادية أو عجزهما عن حماية السيطرة الأجنبية، لن يكون في تداعياته محصوراً في مكان أو محل أو إقليم، بل إن هذا الفشل سيتوسّع بتداعياته لينسحب على العلاقات الدولية برمتها، وسنجد كم كان الذين نعوا الهيمنة الأميركية على الشرق الأوسط صائبين.
وإن المخطط الأميركي لصنع شرق أوسط أميركي بات وهماً مستحيلاً حيث يتقدم مشروع شرق أوسط لأهله ما يفرض على كل قوى العالم التوجه إلى الحوار.
وإن غداً لناظره قريب...