السياسات الأساسية للاتحاد الأوروبي عن سياسة واشنطن ما أدى إلى حدوث توترات مع روسيا.
الكرملن شريك تجاري وقوي مع الاتحاد الأوروبي، لكن بدأت تخبو هذه العلاقة منذ عام ٢٠١٢ ولا سيما بعد سعي الاتحاد الأوروبي للإطاحة بحكومة أوكرانيا الدولة المجاورة لروسيا. وموافقة الاتحاد الأوروبي على تنفيذ عقوبات ضد روسيا بناء على إيعازات واشنطن بعدم ضم شبه جزيرة القرم في آذار ٢٠١٤، وهي منطقة أغلب سكانها من العرق الروسي وتتميز بالعلمانية.
ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا جاء رداً على نزع سلطة فيكتور بانوكوفيتش من كييف في شباط ٢٠١٤ فهذا الأمر أثار غضب الحكومة الروسية، التي كان من حقها أن تقلق من حدوث المشكلات على حدودها.
الأحداث التي أثارها حلف الناتو شكلت قلقاً كبيراً لروسيا مثلاً قصفه لصربيا في ربيع ١٩٩٩ كان استفزازاً موجهاً لروسيا حتى وإن لم يكن واضحاً للعيان. وهجومه هذا جرى في الوقت الذي كانت هي لا تزال في طور التعافي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في أواخر عام ١٩٩١، أما العلاقات الصربية - الروسية فتعود إلى مئات السنين ولا تزلان حليفتين حتى يومنا هذا.
فالعدوان الذي شنه حلف الناتو على صربيا في ٢٤ آذار ١٩٩٩ كان دليلاً على رغبة الولايات المتحدة في ضرب منطقة لطالما شكلت الباحة الخلفية للاتحاد السوفياتي، أيضاً حين رفضت بلغراد الاشتراك في البرامج النيوليبرالية التي حددتها واشنطن قررت إدارة بيل كلينتون شن عملية عسكرية ضدها، حيث أن بلغراد كانت آخر ركن أوروبي لم تطله النيوليبرالية.
خلال هجوم حلف الناتو على يوغسلافيا لمدة ٨٠ يوماً ارتكب الحلف جرائم نتج عنها قتل مئات المدنيين بضربات طيران (جراحية) وأعمال أخرى كتدمير السفارة الصينية في بلغراد كذلك تدمير بناء الإذاعة والتلفزيون العام في الدولة.
ووصف السفير الصيني (كين هواصون) لدى الأمم المتحدة القصف بـ (عمل بربري لحلف الناتو ينتهك ميثاق الأمم المتحدة).
من أصل ١٣ دولة عضو في الاتحاد الأوروبي شاركت تسع منه في قصف يوغسلافيا وهذا دليل على تواطؤه.
كان أحد الأسباب الرئيسية لتأسيس حلف الناتو عام ١٩٤٩ منع أوروبا من اتخاذ مسار مستقل في سياستها الخارجية عن الولايات المتحدة، ويرتبط حلف الناتو ارتباطاً وثيقاً بالاتحاد الأوروبي بمسألة حساسة: الأسلحة النووية. لدى الاتحاد الأوروبي هيئاته الحاكمة في بروكسل عاصمة بلجيكا والتي تعد من الأعضاء المؤسسة للحلف منذ عام ١٩٦٣ وبلجيكا تستضيف الأسلحة النووية الأميركية وهو، فعلى بعد ٥٠ كم شمال شرقي بروكسل يتم تخزين ما لا يقل عن ٢٠ قنبلة نووية أميركية B-16 تحت قاعدة كلاين بروغلن الجوية، فهذه القاعدة هي مخبأ لأسراب جوية مشتركة ما يعني أن الأوامر تأتي من واشنطن.. وصرح المحلل الأميركي ويليام إم أركين أن القنابل B-61 سيتم تسليمها للجيش الأميركي بوساطة الطيارات الصيادة F-16، ولم ينفِ أو يؤكد السياسيون البلجيكيون وجود مثل هذه الأسلحة. ولهذا نلاحظ منذ سنوات تشكل بلجيكا هدفاً لأعمال داعش ولا يمكننا تصور الفرحة التي ستغمر أحد عناصر داعش حين يستولي على قنبلة نووية كهذه..
جرت حوادث مماثلة بطائرة F-16 خلال السنوات الأخيرة كسقوط طائرة يونانية فوق الأراضي الإسبانية عام ٢٠١٥ كانت متورطة بعمليات لحلف الناتو..
أيضاً ألمانيا المهيمنة في حلف الناتو تحتفظ منذ ٦٤ سنة بعشرين قنبلة نووية B-61 في قاعدة بوشيل الجوية غرب البلاد، حيث تتمركز القوات الألمانية والأميركية بشكل منفصل، والأمن الألماني معرض للتهديد حيث يمكن الوصول إلى قاعدة الطيران بوشيل بسهولة عن طريق البر اعتباراً من المدن الألمانية الكبرى مثل كولونيا، فرانكفورت وشتوتغارت، تعتقد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن العسكرة الألمانية تحمي ألمانيا من الدول المجاورة، لكن العكس هو الصحيح، وليس أمام الروس سوى أن يأخذوا بحسبانهم تمدد الناتو إلى حدودهم.
إيطاليا تخزن في قاعدتين جويتين (غيدي وأفيانو) ما يزيد على ٧٠ قنبلة أميركية من طراز B-61، وهي دولة نووية منذ عام ١٩٥٧ أي قبل خمس سنوات من حدوث أزمة الصواريخ في كوبا.
كذلك هولندا عضو مؤسس للاتحاد وللناتو وقوة نووية، استقبلت خلال السنوات الـ ٥٩ الأخيرة في أراضيها أسلحة نووية أميركية. القنابل الأميركية B-16 موجودة في قاعدة الطيران فولكيل جنوب البلاد على بعد ١٥٠كم من أمستردام وروتردام كبرى مدنها، وعلى غرار الحكومة البلجيكية فإن الحكومة الهولندية (لم تنفِ أو تؤكد) وجود أسلحة نووية أجنبية على أراضيها..
تركيا أيضاً عضو في حلف الناتو حتى الساعة لكن علاقاتها مع واشنطن متوترة، ويوجد فيها ما لا يقل عن ٥٠ قنبلة B-16 في قاعدة طيرانها إنجرليك التي تبعد أقل من ٣٠٠كم عن مدينة إدلب السورية..
بالإضافة إلى ذلك هناك حوالي ١٥٠ سلاحاً نووياً أميركياً موزعاً في الدول الآنفة الذكر، قد يبدو هذا كثيراً لكن عام ١٩٥٩ كان العدد بحدود الـ ٢٥٠٠ قنبلة نووية، وتضاعف ليصل عام ١٩٦٦ إلى الـ ٥٠٠٠.. تزعزع استقرار أوروبا منذ تأسيس حلف الناتو أي قبل سبعين عاماً.
الديبلوماسي الأميركي جورج كينان فهم روسيا جيداً وعارض تأسيس الناتو منذ البداية لأنه توقع المخاطر القادمة نتيجة السباق نحو التسلح، وهكذا وجدت روسيا نفسها مضطرة لتأسيس مؤسستها الخاصة للوقوف أمام الناتو فأسست عام ١٩٥٥ حلف وارسو.
اليوم يضم حلف الناتو ٢٩ دولة فيما حلف وارسو طواه النسيان، ولدى حلف الناتو خطط لتوسيع صفوفه للوصول إلى مقدونيا الشمالية وهي من دول البلقان.