عندما تحدث المقارنة بين الوضع الحالي وخمسينيات القرن الماضي فيتحول الفيلم إلى عدسة مكبرة عن حالة الطبقة الوسطى وبخاصة شريحة الشباب فيها ، وبعد ذلك كله تأتي الخُلاصة على لسان أحد الأبطال (يمكن بكرا أحسن) .
هذه العوالم الأساسية لفيلم (هليوبوليس) الذي كسر فيه الكاتب الرتابة الكلاسيكية للنص السينمائي فلم تخضع حكايته للنمط السائد من الكتابة ، وابتعدت عن الحدث المتصاعد وعن الذروة الدرامية كما لم تعتمد على عامل التشويق، فالشخصيات التي قدمها الفيلم كانت تتحرك وسط صراعها اليومي الاعتيادي مع الحياة بعيداً عن خلفياتها وبنائها الدرامي وحتى بعيداً عن تطورها أثناء مجريات الفيلم الذي دارت أحداثه كلها خلال يوم واحد ، هذا اليوم الذي يتكرر دائماً بصيغة أو بأخرى على أمل أن يكون (بكرا أحلى) ، والفيلم ينتمي لما بات يسمى بالسينما المستقلة قليلة التكاليف ، ويعتبر الخطوة الأولى التي نقلت أحمد عبد الله من عالم المونتاج إلى عالم الكتابة والإخراج، أما الممثلون الذين لم يتقاض كثير منهم أجرهم ولكنهم أقدموا على هذه الخطوة من باب تقديم المختلف ، فهم : خالد أبو النجا ، هاني عادل ، فتحية بو زيد ، محمد بريقع، غادة شهبندر ، كريستين سليمان ، حنان مطاوع ، يسرا اللوزي ..
الحكايات الخمس التي تعرّض لها الفيلم وسارت إلى جانب بعضها البعض كالخطوط المتوازية إلى حد ما ، تتناول قصة الدكتور الذي يود الهجرة إلى كندا حيث بات أهله كلهم هناك ، يريد بيع منزله ويعيش حالة تأمل وصراع المكان فيرى أن الحل في الهجرة ولكن ليس لديه الرغبة فيها ، أما القصة الثانية فهي لإبراهيم طالب الجامعة الذي هجرته حبيبته وستتزوج من غيره وهو مصمم على إتمام بحثه الجامعي عن الأقليات في مصر والطراز المعماري ويقوم بذلك من خلال كاميرا فيديو ترافقه أينما ذهب ويركز في تصويره على حال الناس ووجوههم ويصل به الحال للسؤال عن الفرق بين هذه الأيام وأيام زمان ، أما القصة الثالثة فهي لعاملة في فندق وهي فتاة تعيش ضمن عالم من المتناقضات حتى إنها ترسل لأهلها في القرية بالرسائل وتقول لهم إنها في فرنسا (مدينة النور باريس) وتنعم برغد العيش فيها ، تحاول أن تسرق هامش حرية من المجتمع فتحتسي البيرة مع صديقتها ، إنها تعيش الحرمان فتحاول أن ترسم في مخيلتها الصورة المُشتهاة عن الواقع ، ولكن الواقع يبقى مختلف تماماً ، أما القصة الرابعة فهي لفتاة وخطيبها وهما يعيشان حياتهما بأيام مُستنسخة لا بل لا يتقدمان قيد أنملة ، من يراهما يقرأ علائم التعب في وجهيهما ، يحبان بعضهما رغم الظروف المحبطة ، ولكنهما عاجزان حتى عن الوصول إلى الشقة التي قد يشتريانها . القصة الأخيرة لشرطي يعيش الملل والفراغ صديقه كلب شارد ومذياع صغير .
رغم أن الفيلم يتناول هذه القصص كلها إلا أن الكاميرا كانت تنتقل فيما بينها دون خدش للهارموني العام أو الفكرة الأساسية التي حاول المخرج إيصالها ، فكل حالة تؤكد على فكرة العجز والملل ، هذا الملل الذي يعكس إيقاع الحياة البطيء عند هؤلاء الشباب حيث لا قيمة للوقت فاليوم كالغد .. ولكن هذا الإيقاع البطيء الذي كان أحد محاور العمل لم ينجح المخرج في جعله روحاً ينقلها إلى المشاهد ليتفاعل معها ، وإنما كّرسه كحالة عانى منها المتلقي أثناء مشاهدة الفيلم فكاميراته كانت تراقب وكأننا في العديد من المشاهد أمام فيلم وثائقي الأمر الذي لم يستطع المخرج إمساكه كما يجب وفلت منه باتجاه الرتابة والبطء أحياناً وباتجاه جعل الكاميرا وكأنها غير موجودة وسط حركة طبيعية للناس أحياناً أخرى ، وبالمحصلة جاء الفيلم ينوس بين البساطة والتبسيط إن كان في الإيقاع أو حتى في أداء الممثلين ، ولكن يُحسب للمخرج هذه المحاولة التي سعى من خلالها للخروج من القوالب الجاهزة للسينما المصرية وتقديم اقتراح مختلف .