رسموا أولويات ما بعد موت الزهر في روابيكِ، وقطّعوا (الكعكة)، واجتمعوا على مائدة الغدر منتظرين كؤوس الجريمة النكراء تُدار بين أيديهم، ولكن غاب عن بالهم شيءٌ مهمٌ جداً وهو أن سورية ليست عشَّ عنكبوت، بل إنها قلعةٌ من كبرياء، قلوبُنا هي حجارتها، وعيوننا هي أبراجها، ونسوا أن حارس هذه القلعة هو الشعب وقائده..
لستُ كاتباً سياسياً أو محللاً استراتيجياً، ولستُ منتظماً في أي حزب سياسي،ولكنني ابن هذا البلد الطيّب جداً، أعيش وطني نبضةً نبضةً، ويحيا وطني فيَّ خفقةً خفقةً ولئن أكتب فيما حدث فإنما أنقل موقفي وموقف أهلي وأولادي وأخوتي وجيراني والتي تلتقي وتتقاطع مع موقف ومشاعر جلَّ أبناء هذا الوطن، وهي مشاعر صادقة ونقيّة لا تبحث عن شكرٍ لها ولا عن مقابل وإنما تعيش التصالح والانسجام مع حامليها..
لا أعتقد أن تلكَ العجوز التي حملت صورة السيد الرئيس بشار الأسد ومشت غير مكترثة بمئات الآلاف الذين يهتفون بحياة سورية وقائدها كانت تعلم أنّ هناك من يصورّها، أو أنها تفعل ذلك طمعاً بوظيفة حكومية، لقد كان واضحاً عليها أنها مدفوعةٌ بما تحمله من حبّ ووفاء لمن زرع مشاويرنا أماناً وحياتنا بهجةً فهل هي عضو عامل في حزب البعث العربي الاشتراكي كما يحاول نُبّاح الآفاق تصوير المشهد السوري !
أبي الذي بلغ الـ 81 من عمره (أطال الله عمره) نعرفه يتضايق من ضجّة وضوضاء أحفاده وبالكاد يصبر عليهم دقيقتين قضى ساعات طويلة بين مليون حنجرة تهتف بحياة سورية وقائدها يوم خرجت طرطوس بكل ناسها حبّاً لسورية ولمن وضع سورية في هذه المكانة المرموقة فهل يطمع هو الآخر بوظيفة أو بحقيبة وزارية؟
أنا سوري، هذه الصفة هي التي تتقدم أي صفة أخرى لديَ، وهكذا شباب هذا الوطن فماذا يتوقع أن يجني مَن يحاول تحريف هذه الحقيقة التاريخية؟
نجتهد أحياناً في قراءة الواقع الذي نعيشه، ونقلّب همومنا واهتماماتنا بحثاً وتمحيصاً، ونجلد أنفسنا بالبحث عن حلول لها، فيفاجئنا السيد الرئيس بشار الأسد أنه سبقنا إلى تشخيص الهمّ وقراءة مفرداته ووضع الحلول الناجعة له فهل نبحث عمّا هو أكثر من ذلك؟
من يراجع ما نكتبه في جريدة الثورة عبر سنوات طويلة بإمكانه أن يكتشف وبكل سهولة أننا وفي مقدمة المطالبين بالإصلاحات في كل مرافق الدولة فهل وضع أحدٌ الحديد في يدنا؟
متفقون نحن على وجود أخطاء هنا وهناك، ومتفقون على أن وتيرة الإصلاح لم تكن على ما يرام دائماً، ومتفقون على وجود مشاكل اقتصادية واجتماعية وهناك أعداد لا بأس بها من شبابنا بلا عمل، ولكن هل تُحلّ المشكلة باختلاق مشكلة أخرى؟
لا أدافع عن الدولة وليس مطلوباً مني أو من أي زميل أن نتحول إلى هذا الدور، بل إننا منحازون وبشكل واضح لنبض الشارع ولهمّ الناس حيث كانوا ولم يسألنا أحد لماذا ننتقد أو إلى أين نذهب في احتجاجنا!
في 23 آذار الماضي تحدّثنا في جريدة الثورة عن صندوق المعونة الاجتماعية وانتقدنا آلية توزيع الدعم وأخطاء تقدير من يستحق الدعم وباختصار شديد انتقدنا تنفيذ مرسوم تشريعي صادر عن السيد رئيس الجمهورية بكلّ الحرية المهنية، وفي اليوم التالي انتقدنا آلية عمل صندوق دعم الإنتاج الزراعي وهو مرسوم صادر عن السيد رئيس الجمهورية فأي حرية أكثر من هذا نرجو؟
يقولون: (الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراها إلا المرضى)، ونقول: الأمان نعمة لا يقدّر قيمتها إلا من لا يعيشها!
من هذه النقطة وحولها اتجهت مواقف شباب طرطوس خلال الفترة الماضية وأكدوا خلال لقائنا بهم في أكثر من موقع أن من واجبنا جميعاً أن نحافظ على هذا الأمان بالغالي والنفيس،أما المطالب المعاشية والخدمية فهي على أهميتها قابلة للتأجيل خاصة وأن هناك من يفكّر بها أكثر منّا..
لقد أثبت شباب طرطوس كما غيرهم في جميع المحافظات السورية أن سورية محصّنةٌ بشبابها، وأن مَن حاول تحويل هؤلاء الشباب إلى وقود لفتنة طائفية وإقليمية قد أخطأ بقراءته لتركيبة وتكوين هؤلاء الشباب الذين نذروا أنفسهم وعداً صادقاً من أجل أن تزهو سورية بهم ويزهون بها..
لا نلغي بقية شرائح المجتمع ونحن نتحدث عن الشباب، بل على العكس وكما قلتُ في البداية فإن المشهد كان غنياً، شيباً وشباباً، صغاراً وكباراً، رجالاً ونساء، ولكن أن نركّز على شريحة الشباب فلأنهم كانوا هدف هذه الهجمة ولأنهم أول من تصدّى لها..
نعرفكِ يا بلدي، رائحة ترابكِ يذكي أنوفنا، عنب كرومكِ يملأ حياتنا سكراً، والقصب ما زال يحنّ عند سواقينا، خيولنا، لم تملّ شوطها، والنورس ما زال فوق بحرنا يشدو للحب والسلام، وما زالت روابينا تطرّز الربيع بأبهج الألوان..
نعرفكِ يا بلدي لوحةً منّا فنحن الأحلى وأنتِ الأغلى وأنتِ على مرّ الزمان قبلةً للحب كنتِ وستبقين إن شاء الله.