وعلى الرغم من ارتفاع حدة التوترات ، هناك عدد من العوامل والعناصر التي تؤشر إلى خلاف ذلك . فكوريا الجنوبية ، المدعومة من الولايات المتحدة لا تريد حرباً ، لأن جارتها الشمالية تمتلك 13 ألف فوهة مدفع موجهة كلها نحو سيول وفي اتجاه أكثر من عشرة ملايين كوري جنوبي يعيشون في مناطق لا تبعد أكثر من 30 كيلو متراً عن المنطقة المنزوعة السلاح . كما أن كوريا الشمالية المدعومة من الصين لا تريد حرباً ، لأنها إذا حصلت ، فإنها ستكون ضمانة مؤكدة لانهيار النظام .
وقد أوضحت واشنطن أنها ترغب في حل هذه الأزمة عبر قنوات دبلوماسية.
جون موريل المتحدث باسم البنتاغون قال : إن تركيزنا اليوم ، كما كان في السابق ، وكما سيبقى في المستقبل ، يتمحور حول اقناع كوريا الشمالية بواسطة الضغوط الدبلوماسية، والاقتصادية بالتخلي عن مساعيها لإنتاج أسلحة نووية وعن الوسائل اللازمة لاستخدامها واطلاقها . أما إذا فشل كل هذا ، فعلينا أن نكون حذرين في التحدث عن مخططاتنا وتدابيرنا الدفاعية ، وهذا يعني أن لا واشنطن ولا سيول، ستنفذان أي عمل عسكري وقائي أو استباقي .
وفي حال وقوع الحرب ، فإن الهدف من أي هجوم شمالي واسع ، سيكون اطلاق أكبر عدد ممكن من القذائف المدفعية ، والصواريخ في اتجاه العاصمة الجنوبية سيول. وفي المقابل ، سيكون هدف القوات الاميركية والكورية الجنوبية تدمير هذه القدرة المدفعية والصاروخية ، قبل أن تنجح بيونغ يانغ في اطلاق الكثير منها . وفي الوقت الذي سيعتمد أي هجوم كوري شمالي ، على قدرات الجيش البالغ عدد 1،2 مليون جندي ، فإن أي هجوم أميركي وكوري جنوبي سيعتمد أكثر على سلاحي الجو والبحر . وزارة الدفاع الأميركية امتنعت عن اطلاق أي تعليقات ، أو القيام بأي أعمال استفزازية ، وهي لا تنوي تعزيز قواتها البالغ عديدها 28 ألف جندي في كوريا الجنوبية ،و35 ألفاً في اليابان . ويعترف القادة العسكريون الأميركيون أن خططهم الدفاعية ، سيكون تنفيذها صعباً ، وذلك بسبب انتشار حوالي 190 ألف عسكري أميركي في العراق وأفغانستان .كوريا الشمالية لا تتحمل وحدها تبعة التصعيد بل إن ثلاثة رؤساء أميركيين تولوا الحوار ومعاقبة بيونغ يانغ يتحملون أيضاً قسطاً من المسؤولية ، والمقصود بيل كلينتون وجورج بوش الابن والآن باراك أوباما . فالتعاطي الأميركي مع كوريا الشمالية لا يزال مشبعاً بذهنية الحرب الباردة ، وانطلاقاً من هذه الذهنيةكان يتم الجمع بين سياسة العصا والجزرة .
وكان لافتاً أن الولايات المتحدة لم تشجع سياسة «الشمس المشرقة» التي انتهجتها سيول في أواخر التسعينات ومطلع العقد الماضي حيال الشمال ، والتي ربما ساهمت في التوصل إلى معاهدة سلام أو إلى ما هو أكثر من ذلك بين الشمال والجنوب .
التحفظ الأميركي أسقط سياسة «الشمس المشرقة» بين الكوريتين ، ولم يبق خيار أمام الكوريين الشماليين سوى الاعتماد على المبالغة في التسلح من أجل لفت الأنظار واثبات الوجود . وبسبب بقاء شبه الجزيرة أسيرة منطق الحرب الباردة ، فشلت كل محاولات التقارب بين الجنوب والشمال التي كان يمكن أن تحقق اختراقاً لخط الهدنة والانتقال إلى السلام الدائم .
وبناء عليه لا تتحمل كوريا الشمالية وحدها مسؤولية التصعيد .هناك البعد الأميركي الذي يريد ابقاء المنطقةأسيرة التجاذبات كي يبقى متاحاً للولايات المتحدة الاحتفاظ بنحو 37 ألف جندي في شبه الجزيرة الكورية ، والوجود العسكري الأميركي في كوريا الجنوبية ليس موجهاً إلى كوريا الشمالية وحدها ،وإنما إلى الصين أيضاً التي تعتبر الحاضن الأساسي للنظام في بيونغ يانغ ، والصين هي صلة الوصل الوحيدة مع العالم الآن في ظل العزلة الدولية المتزايدة لبيونغ يانغ ، ليس في السياسة فحسب ، وإنما في الاقتصاد أيضاً . ولذا يحرص الكوريون الشماليون على عدم اتخاذ سياسات تتعارض مع المصالح الصينية ، في حين تحاول بكين توظيف سياسات كوريا الشمالية في خدمة مصالحها أيضاً في مواجهة الولايات المتحدة طالما أن منطق الحرب الباردة لا يزال سارياً في هذه المنطقة من العالم .
في المقابل ، حاولت أميركا العبور إلى كوريا الشمالية من البوابة الصينية . بيد أن للصين مصالحها الخاصة التي لا تريد التضحية بها من أجل ارضاء واشنطن فقط . ولذلك تبقى لكوريا الشمالية مكانة خاصة في السياسة الصينية . وما يقال عن الصين يصح بقدر كبير على روسيا التي تحاول أن تجعل الحوار وسيلة وحيدة للتعامل مع بيونغ يانغ والابتعاد عن الخيارات العسكرية التي يمكن أن تلهب المنطقةبأسرها ، ولا سيما بعد التأكد من أن كوريا الشمالية باتت دولة نووية.
وربما كان على واشنطن التعامل مع الحقائق الجديدة في شبه الجزيرة الكورية وانتهاج سياسة أكثر واقعية من أجل تجنيب المنطقة خيارات صعبة .
أما إذا كانت تريد أميركا أن تجعل من التعامل مع كوريا الشمالية درساً للتعامل مع دول أخرى ولاسيما ايران ، فقد يكون الأوان قد فات .