الاعتبارات تلك كافية لتبرير هجوم وانقضاض المؤسسات الأوروبية نحو هذا الشرق البعيد ليس لتفريق وتوزيع مصانعه بل لغزو أسواقه النامية جداً. إلى أولئك الذين يحشرون أنوفهم كل مرة نتناول فيها قضايا حقوق الإنسان في الصين أوصيهم بمحاسبة أنفسهم أولاً والرجوع ثانياً إلى الفيلسوف «مونتسكيو» القائل: إن التجارة الوسيلة الأمثل لإدخال الديمقراطية في بلد ذات تقاليد وعادات متنوعة ومتباينة.
ومن الأفضل للغرب الواسع مع ذلك أن لا يتحول انبهاره بامبراطورية الوسط إلى سذاجة رديئة ومؤذية.
فبعض الصناعيين فيه الذين يريدون المتاجرة مع بكين بأي ثمن سوف يعضون أصابعهم ندماً لكثرة التنازلات التي يحتمها عليهم هذا الانبهار، والكثيرون منهم اغتبطوا عقب توقيع شركة صينية على اتفاق مع المانيا وفرنسا يخولها بالحصول على 150 طائرة ايرباص نموذج A320 ولم يخل الأمر من إثارة مشكلة حول المكان الأنسب لتصنيع هذه الطائرات مما يشرع الباب أمام تحولات تكنولوجية هامة.
أما في مؤسسة Alstom فقد تبنى رئيسها باتريك ترون موقفاً أكثر أهمية ولكن أكثر خطورة حيث قبل بخسارة الأسواق بدلاً من الاتفاق حول تبادل الخبرات في مجال القطارات الفائقة السرعة ، وقد وجه انتقاداً لبعض رجال الصناعة في الصين لادعائهم ملكية تقنيات قد اقتبسوها من الغرب فيما مضى.
لكن الصين تحلق في هذه الآونة بعيداً جداً وعلى جوانحها طوق نجاة تكلل به منطقة اليورو المتصدعة نظراً بما تملك -أعني الصين- من احتياطات هائلة في سعر الصرف. قبل أشهر عدة استقبلها الشعب اليوناني بحفاوة كبيرة لمحاولتها مرة أخرى ولأجلهم شراء ميناء piree وبعد حين أبرمت اتفاقاً مع الشعب الإسباني المترنح على حافة الإفلاس مؤكدة لهم أنها ستحقق أهدافهم في القريب العاجل كما تعهدت الحكومة الإسبانية مقابل ذلك بعدم ضم صوتها لأصوات من يطالبون بإعادة تقييم اليوان، عملية «شراء الصمت» هذه قد تبدو طرفة أو نادرة ومع ذلك يمكننا القول إن افتقاد أي حكومة سيطرتها على العبارات الشعبية المتداولة في محيطها ستفقد معها أيضاً جزءاً من سيادتها.
وفي الوقت عينه اكتشفنا وجود شركة صينية على الأراضي الفرنسية قامت بدفع مبلغ كبير من المال لموظفين كبار ثلاثة في شركة Remault للسيارات لقاء حصولها على معلومات حساسة جداً حول كيفية صنع السيارة الكهربائية لدى شركة تجارية لامعة دون التأكد من ذلك تماماً لكن من الواضح للعيان أن كل الوسائل متاحة في الصين لاستدراك عامل التأخير والتأجيل المأخوذ على الاقتصادات التقليدية فيها ولاستعادة قوتها العالمية الأولى وقد فقدتها أواسط القرن التاسع عشر.
حيال هذا الوضع قد تبقى أوروبا مكتوفة الأيدي دون حراك وبالتالي لن نفاجأ إطلاقاً بالجمود الذي أصبح علامة دامغة تميز وللأسف فبركة التكنوقراطيين في بروكسل لكن ولحسن الحظ فقد أدرك البعض منهم الأخطار المحدقة التي تترصد مواردنا التقليدية مثلما هو حال المفوضية الإيطالية للصناعة التي اقترحت بالتعاون مع إيريك بيسون تأسيس سلطة أوروبية مهمتها الاشراف والسماح -أو عدمهما- بالاستثمارات الصينية في أوروبا على مثال الأدوات الذكية الاقتصادية التي تمتلكها الولايات المتحدة.
ففي الوقت الذي تسعى فيه أوروبا لإعادة بناء سياسة صناعية ينبغي لها ألا تنسى أو تتناسى التخلي تماماً عن نظريات عدة ذات أسس عقائدية كحرية المقايضة (نقد بنقد) العمياء خصوصاً فيما لو توجت بقوة لا تحترم الأنظمة والقوانين أو التقاليد وبما أن إمبراطورية الوسط تبدو آسرة وجذابة للغاية ومستعجلة جداً بل ومتآمرة فقد تتمكن من إرغام مجموعة العشرين G20 على إضافة مواضيع على مفكرة أعمالها تتبنى العدالة والازدهار وما تلك سوى فضائل تضفي على العولمة معنى آخر هاماً.
آن الأوان كذلك لنستذكر مرة أخرى خطابات لاكونت الرامية إلى إقناع الطرواديين بعدم إخلاء الساحة لحصان طروادة واجتياز أسوارهم والتكيف أيضاً مع الظروف الراهنة والنظر بحذر لتقدمات الصين!!.
بقلم: إيف دي كيردريل