تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


هكذا يعاملون الأطفال الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية

موقع Legrand soir
ترجمة
الأثنين 28-2-2011م
ترجمة: دلال إبراهيم

ماشسوم واتش جمعية أسستها أمهات يهوديات ترصد ما يتعرض له الفلسطينيون من معاملة وحشية على يد الجنود الإسرائيليين في نقاط العبور وفي السجون وها هي شهادة لامرأتين من الجمعية هما آية كانيوك وتامار غولد شميت..

يكتسب مفهوم الاذلال صبغة ذاتية وهومتعلق بمداركنا الشخصية.. مثلاً بالنسبة لي كان الأكثر إذلالاً ليس أنهم تبولوا فوقه بل إنهم تركوه عارياً، في البداية كان والد محمد خجلاً بأن يقول إنهم تبولوا فوق ابنه. لم يستطع لفظ الكلمة بصوت عال، أعتقد لأنه يظن أن تلك المعاملة التي تلقاها فيها كل الإذلال. وتساءلت أي نوع من الأشخاص أولئك الذين يلقون القبض على طفل بعمر 13 ويعذبونه هكذا؟ ومن ثم أجبت: لا يهم كثيراً أي جندي إسرائيلي يتصرف هكذا مع الفلسطينيين إن كانت القوانين المحلية تتيح له ذلك.‏

أول مرة رأيته فيها كانت في البهو رقم اثنين في المحكمة العسكرية في سجن عوفر، حيث إليه كان يقتاد الأطفال للمثول أمام المحكمة، كل يوم يصل 23،22،20 طفلاً، ضمن مجموعات من اثنين أو ثلاثة أو أربعة يرتدون ملابس السجن البنية، أقدامهم مكبلة وأيديهم مقيدة إلى بعضها البعض..، لفت انتباهي في الحال لأن له شعراً جميلاً مجعداً وصغير السن وكان يبكي. وليس معنى ذلك أن الأطفال الآخرين لا يبكون ولكن حسبما رأيت كانوا يدارون بكاءهم بينما كان هو لا يحاول حتى حبس دموعه وإخفاءها.‏

في أغلب الأحيان كانوا يأتون بهم إلى المحكمة من أجل تمديد فترة حبسهم، إنه إجراء يسري حتى على الأطفال، لا يهم الاتهامات وطبيعة الأدلة التي قادت لإيقافهم.‏

في الواقع أياً كان دور هذه المحكمة فهو ليس بالتأكيد إثبات الحقيقة ولا إنزال الحكم المناسب فيهم، وخاصة عندما نعرف أن اعتقالهم تم في منتصف الليل وبموجب وشاية الطفل نفسه هو بطلها وفي معظم الأحيان تهمتهم هي قذف الحجارة أو زجاجات المولوتوف، وهذا كافٍ لتوقيفهم دون منحهم فرصة الإفراج عنهم بكفالة لغاية انتهاء مدة الإجراء والذي يمكن أن يمتد عدة أشهر أقلها ثلاثة أشهر ومن ثم يمثلون للمحاكمة ودوماً يتم تجريمهم لأن التهمة هي الدليل.‏

ومع ذلك وإن افترضنا أن رمي الحجارة على المحتل جريمة ومن يلقيها مذنب أياً كان كبيراً أم طفلاً وحتى لو كان هذا الحجر أقل خطراً من رصاصة مسدس وحتى ولو لم يصب هذا الحجر أحداً.. لو افترضنا صحة ذلك كله يبقى أننا نجهل ما يحصل فعلياً وليس هذا فشلاً أو خطأ في النظام نظراً لأن البحث عن الحقيقة ليس ببساطة هو الهدف هنا، فالمحكمة هي أداة بيد الاحتلال والتي ليس لها سوى هدف وحيد قمع، اضطهاد، وهيمنة، ولا شيء آخر.‏

وعلى كل حال كان ذلك اليوم كغيره من الأيام.. مجموعات أطفال تساق الواحدة تلو الأخرى وأغلبيتهم كانت تعلو وجوههم الابتسامة رغم كل شيء، لأن هذا المثول الهزلي أمام المحكمة الهادف إلى تمديد فترة إيقافهم /والهدف الأساسي منه هو منح قوات الاحتلال زمناً للضغط على الأطفال ليجعلوا منهم عملاءهم/ هو الفرصة الوحيدة لأولئك الأطفال لرؤية أهاليهم.‏

وها هو الصغير محمد مخير الذي لم يضحك لوالديه ولم يبد أي إشارة.. لا أعلم لماذا قلوبنا توقفت وانفطرت عليه لدى رؤيته وهذا قبل أن نعرف سبب توقيفه.‏

كان شكله الخارجي يشي بوضعه النفسي.. كل شيء كان يجري كالمعتاد فك الحرس قيوده وجلس كان ثمة أطفال أكبر منه.‏

ولأن المحكمة تأخرت جلساتها استغلها الأطفال للحديث مع أهاليهم ضمن الحدود التي يسمح بها الحراس،الجميع كان يتكلم مع أهله ما عدا محمد الذي كان يرتدي قميصاً بأكمام قصيرة ويرتجف من البرد ولم يكن يتكلم فقط يبكي وأمه لا تستطيع إيقافه عن البكاء، وهذا أمر غير مألوف لأن الأمهات هن اللاتي كن يبكين وخاصة عقب انتهاء المحاكمة وأبوه ولكي لا يجن لم يكن يتوقف عن تأليف رقم هاتفي افتراضي على يده ويتمتم لولده أنه لن ينساه ولكن شفتي محمد كانتا متجمدتين فقط دموعه كانت تنهمر ومن ثم جاء دوره.‏

أمروه أن يقف فوقف أمروه أن يجلس فجلس لم تكن عيناه ترى أي شيء وكان يبدو عليه أنه أصغر من عمره.‏

قليل من الوقت وقرر القاضي تأجيل الجلسة 15 يوماً.. أمره الحارس أن يقف فوقف عيناه وعينا أهليه كانت مشدودة لبعضها وأعاد الحارس الأغلال إلى يديه وأشار إليه بالمغادرة وجهه تغسله الدموع وشاحب من الخوف.‏

ألقى النظرة الأخيرة على أهله بعينين لا تريدان الكف عن النظر إليهم أسرعنا في أعقاب والديه.‏

«لقد كذب على أمه وادعى أنه في القرية» قال طارق والد محمد: كان مع أطفال آخرين وقالوا لي إنهم رأوه في سيارة جيب وكان الجنود يوسعونه ضرباً- ذهبت إلى القاعدة التي اعتقدت أنه معتقل فيها وأكدت لهم أنني سأغلق عليه باب البيت إن كان يرمي حجارة ولكنهم هددوني إن لم ابتعد سيطلقون الرصاص وبعد عملية بحث مضنية عرفنا أين هو ولكن بقينا شهراً يستحيل علينا التحدث إليه حتى قادوه للمثول أمام المحكمة فقد علمنا عن طريق جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان عما أصاب محمد قالوا لنا «ابنكم بحالة سيئة لديه مشكلات في قدميه بعدما تعرضت لحروق بالسجائر وضربات مبرحة بالبنادق» وتقول الكاتبتان «بحثنا في الانترنت ووجدنا هذا المقال /جنود إسرائيليون يعذبون أطفالاً ويرغمونهم على الشرب من ماء المرحاض/ ويشير المقال نقلاً عن شهود أطفال أن جنود الاحتلال تبولوا عليهم وأجبروهم على الشرب من ماء المراحيض وصوروهم عراة ووضعوهم وهم عراة في مرحاض مكيف بهواء بارد لمدة 48 ساعة. وكل مرة يحاولون النوم يوقظهم الجنود.‏

ويشتكي والد محمد «لا يمكننا الشكوى على موضوع التعذيب لأنهم سوف يمعنون في تعذيبه، وقد مددوا شهرين في سجنه لأننا اشتكينا ولهذا أعتقد أنهم يحرمونه ارتداء سترة تقيه البرد في السجن ولا يسمحون له باستخدام الهاتف، وهذا لأن مدافعين عن حقوق الإنسان زاروه في السجن». حضرنا ثلاث جلسات محاكمة خاصة بمحمد كان يتم تمديد فترة حبسه فيها. وفي نهاية المطاف خففوا الحكم على محمد وحكموه ثمانية أشهر سجن ودفع غرامة 2000 شيكل نظراً لأن حجارته لم تصب ولم تؤذ أحداً، وأغلب المعتقلين يقرون بالتهم الموجهة إليهم، حتى ولو لم يفعلوها، لأن إنكارهم لها يعني إطالة مدة حبسهم وفي النهاية سيثبتونها عليهم ويأتي الحكم أشد. تلك هي المحكمة الإسرائيلية وتلك هي المحنة الفلسطينية، لا أعرف ما الذي بدا لي الأسوأ في محنة محمد: هل هو التعذيب أو اكتشاف عجز أبويه عن مساعدته؟ أم هل هو إدراك هذا الصغير أنه بالنسبة للإسرائيليين ليس سوى شيء مستقل عن ذاته البشرية؟ ولكن الأسوأ أنه حينما يبرأ من جروحه سيبقى هناك جرح في داخله لن يمحوه الزمن.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية